الاستخدام العشوائي للمبيدات
اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي
يرتاد المزارعون من مختلف المحافظات محال المبيدات الزراعية في أمانة العاصمة والتي تتواجد وسط الأحياء السكنية؛ لشراء الأسمدة والمبيدات الزراعية بأسعار مرتفعة، لغرض الحفاظ على محاصيلهم، وزيادة كمية الإنتاج، والمحصلة النهائية تكون الاستخدام العشوائي لتلك المبيدات في مزارعهم.
أثناء نزولنا إلى محلات بيع المبيدات، التقينا بالمزارع أحمد هادي أحد أبناء مديرية خب والشعف من محافظة الجوف، حيث كان يسأل عن مبيدٍ زراعي، وعند سؤالنا له: من الذي وصف لك هذا المبيد أكد أنه من تلقاء نفسه وهذا المبيد معروف والكل يستخدمه؟
وأثناء الحديث معه حول استخدام المبيدات أشار المزارع أحمد هادي إلى أنهم لا يستشيرون المهندسين الزراعيين، ولا يلبسون بدلات واقية عند رش المبيدات، مرجعاً السبب لعدم وجود مهندسين زراعيين في منطقتهم، ولا يتلقون توعيه، مواصلاً حديثه بالقول: “تعودنا على الشراء من صاحب المحل مباشرة، وإذا لم ينفع المبيد نجرب مبيداً آخر”.
غياب القانون
صاحب محل المبيدات مبروك العقبي أشار إلى أن معظم المزارعين يشترون منهم المبيدات، دون استشارة أي مهندس زراعي، وأن أكثرهم يطلب المبيد بالاسم، موضحاً أنهم يطلبون من المزارعين احضار عينة من الشجرة المصابة، أو تصويرها بالهاتف.
ويضيف العقبي: “نقوم بتقديم النصح للمزارع، بضرورة التقيد بما في العلبة من تعليمات، وضرورة التقيد بفترة الأمان الموضحة، مؤكداً أن الاستخدام العشوائي للمبيدات في اليمن بشكل كبير ومخيف، والسبب غياب الوعي لدى المزارع، وضعف الإرشاد الزراعي من قبل الجهات المعنية بطرق الوقاية، والممارسات الصحيحة للتعامل مع الأمراض والآفات الزراعية.
من جهته يقول مدير قسم التجارب بالإدارة العامة لوقاية النبات علي محرز إن الجهل من قبل المزارعين بخطورة المبيدات على المدى القريب والبعيد، يؤدي إلى استخدام المبيدات بشكل عشوائي، وقال: “دورنا توعوي إرشادي، حيث أصدرنا عدد من النشرات المتعلقة بالاستخدام الآمن للمبيدات، ونقوم بتوعيه المزارعين، وباعة المبيدات بشكل مستمر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأضاف: “لا يتم منح تراخيص للتجار إلا بعد التعاقد مع مهندس مشرف، وفقاً لقانون المبيدات ونحن ملتزمون بتنفيذ ذلك بشكل صارم والتعاميم والإرشادات تنص على عدم صرف المبيدات إلا وفق استشارة المختص”، لافتاً إلى أنه لا توجد الزامات بمنع بيع مبيدات إلا بعد استشارة مهندس زراعي، ولا توجد عقوبات أيضاً في القانون، والحل هو اصدار قانون مُلزم وتحديد العقوبات، والجهات المسؤولة عن ذلك هي الإدارة العامة لوقاية النبات.
وفي هذا السياق يقول أحد التجار فضل عدم ذكر اسمه، قال إن سوق المبيدات ممتلئ بالمهربة والممنوعة، فالمزارعون يبحثون عن تلك المبيدات نظراً لفعاليتها في المحاصيل، ومن واجب جهات الاختصاص حزم الانفلات الحاصل في تهريب المبيدات الزراعية.
الادارة العامة لوقاية النبات كانت قد أصدرت دليل آفات وأمراض المحاصيل الزراعية في الجمهورية اليمنية وطرق مكافحتها في العام 2021م، ويحتوي علي:
- احتياطات الآمان التي يجب اتباعها أثناء التعامل مع المبيدات في محتلف المراحل.
- طرق مكافحة الآفات.
- آفات وامراض محاصيل (الفواكة-الخضار-الحبوب-البقوليات-المحايل الزيتية-والنقدية-والاعلاف-القرعية).
- الوسائل التقليدية التي ابعها المزارع اليمني قديماً في مكافحة الآفات.
الذبل العشوائي
وبحسب المهندس صديق جبريل، يقوم بعض المزارعين بتجميع مخلفات الأبقار، والماعز، والأغنام وغيرها، وهذه المخلفات تكون غنية ببذور الحشائش، وبذور بقايا محاصيل العام الماضي.
ويقول جبريل إن استخدام تلك الطرق من التسميد، إما تكون ايجابية بإخضاعها لطرق ومعاملات صحيحة يتم دفن تلك المخلفات في حفرة بأبعاد محددة وسقيها بالماء لفترة خمسة عشر يومًا في الصيف وإلى عشرين يومًا في الشتاء، حيث تبقى مطمورة 6 أشهر، لتكسب سماد الكومبوس باللهجة المحلية (الذبل)، بعد عملية التحلل يتم تبريدها، وتكون جاهزة للاستخدام، وغنية بكل العناصر بما فيها النيتروجين، مشيراً إلى أنها تكون كذلك سلبية عندما يقوم المزارع بالتسميد المباشر من مرمى القمامة إلى التربة مباشرةً، حيث تكون تلك المخلفات قد تعرضت للتعرية، فتصبح مليئة بالحشائش، وركات الحشرات، وينعدم النيتروجين فيها بسبب تعرضها لدرجة الحرارة.
ويواصل: “يكون تأثيرها على الإنسان عبر استهلاكه للخضار والفواكه والتي مازالت تحتوي على بقايا أسمدة لعدم قطفها في الوقت المحدد، وتؤدي إلى تهالك التربة، وفقد تهويتها، وتحدث ترسبات للأملاح والعناصر الثقيلة، ويصعب على النبات أن يمتص الغذاء منها، أما على الاشجار فمثل تلك الأسمدة التي تحتوي على هرمونات، ويستخدمها المزارع بغرض التلوين، أو السرعة في الإزهار تؤدي إلى سرعة شيخوخة النبات كمثال أشجار المانجو وأشجار العنب”.
ويسرد المختص في الأسمدة بسام القحوم جملة من طرق الاستخدام العشوائي للمبيدات، كالإكثار من استخدام السماد الأبيض (اليوريا)، واستعمال السماد الخطأ في الوقت الخطأ، أو زيادة نِسب جُرع السماد التي تؤدي إلى التسممات الغذائية، ومن الأخطاء أيضاً استخدام أسمدة في مراحل الحصاد ما تؤدي إلى تغيُر في طعم الفاكهة، أو الخضار بعد القطف.
ويستمر الكثير من المزارعين على استخدام نوع واحد من المبيدات، وعدم التنوع في استخدام أسمدة بحسب مرحلة النبات، وهذه من الممارسات الخاطئة، ويقوم بعض المزارعين بإضافة السماد إلى محلول الرش، وتركه فترة من الزمن فتظهر الترسبات في خزان الخلط، كما يساهم الاستخدام العشوائي للمبيدات من تفاقم الوضع الصحي والبيئي والاقتصادي للبلاد، ويعدم من وجود غذاء زراعي نظيف خالٍ من “متبقي المبيدات”.
ويواصل القحوم: “إذا المزارع يمتلك طرق الاستخدام الأمثل للأسمدة الزراعية بالطرق والإرشادات الصحيحة الواضحة سيحد ذلك من استخدام المبيدات، لأنها عبارة عن مغذيات للعناصر التي يحتاجها النبات ومضادات من بعض الأمراض التي تحتاج لوقاية، على سبيل المثال عنصر النحاس يوقي من بعض الأمراض الفطرية، والكبريت إذا تم رشه على محصول العنب في وقت مبكر يوقي العنب من العناكب (الأكاروسات)”.
من جانبه يوضح مختص الإرشاد بالإدارة العامة للمبيدات إسماعيل الصيادي أن الإدارة تقوم بعمل دورات ارشادية وتجارب حقلية وخلالها يتم تقديم نصائح وارشادات للمزارعين بالطرق الصحيحة والسليمة للتعامل مع المبيدات، مشيراً إلى أن المزارعين يحضرون إلى الإدارة بشكل مستمر، ويطلبون معرفة المبيد الخاص ببعض الأمراض التي تصيب محاصيلهم، ويحضرون عينات من النباتات المصابة، ونحن نقوم بدورنا بإرشادهم بطرق الوقاية، ونوعية المبيد الفعال وطرق الاستخدام.
ويضيف المهندس اسماعيل أن الإدارة تقوم بتدريب طلاب كلية الزراعة على الاستخدام الآمن للمبيدات، وطرق التعامل مع الأمراض التي تصيب المحاصيل والمنتجات النباتية، وكيفية تشخيص المرض ووصف المبيد الفعال.
ويؤكد الصيادي أن الإدارة العامة للمبيدات تقوم حاليا ًبإنتاج فلاشات توعوية قصيرة تبث وتوزع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منوهاً إلى أن مجموعة المرشد الزراعي بالفيسبوك تعد إحدى المنصات الإرشادية والتي يتجاوز عدد مشتركيها 50 ألف مزارع، ويوجد فيها مهندسون ومختصون يتولون الإجابة عن أسئلة واستفسارات المزارعين، مضيفا ً أن الإدارة بصدد اصدار ملصقات وبرشورات توزع على وسائل المواصلات تحتوي على نصائح وارشادات حول نقل وحمل المبيدات من مكان إلى آخر. - المزارع أحمد هادي: تعودنا على شراء المبيدات من المحل مباشرة ونحن لا نستشير المهندسين الزراعيين ولا نلبس بدلات واقية عند رش المبيد، وإذا لم يفع المبيد نجرب مبيداً آخر
- محرز: الجهل من قبل المزارعين بخطورة المبيدات على المدى القريب والبعيد، يؤدي إلى استخدام المبيدات بشكل عشوائي
- القحوم: الاستخدام العشوائي للمبيدات يساهم في تفاقم الوضع الصحي والبيئي والاقتصادي للبلاد، ويحد من وجود غذاء زراعي نظيف خالٍ من “متبقي المبيدات”