الأخبارمتابعات

اهتمام الدين الاسلامي بالزراعة

اليمن الزراعية – خاص

اهتم الإسلام كثيرا بالزراعة، وحثّ عليها ديننا الإسلامي، نظرا لأهميتها وارتباطها بتوفير الغذاء للإنسان والحيوان، وجعلها من عمارة الأرض، ومن مقومات الاستقرار والعيش في الأرض، وقد وردت آيات قرآنية تتحدث عن الزراعة ومقوماتها، وأهميتها وأنواع المزروعات، وكذلك ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة.
إحياء الأرض:
حث الدين الإسلامي على الاهتمام بالأرض وحراثتها واستصلاحها، وعدم الإفساد فيها، وضرورة استغلال المقومات التي أودعها الله في الأرض، ومن الآيات القرآنية التي تحث على الزراعة وإنبات الأرض؛ نظرا لما فيها من مصدر رزق، وكونها نعمة من نعم الله للعباد؛ قال تعالى: (أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) سورة الواقعة. وقال تعالى في سورة يس (وآيةٌ لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبَّا فمنه يأكلون* وجعلنا فيها جناتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ وفجرنا فيها من العيون* ليأكلوا من ثمره وما عملتهُ أيديهم أفلا يشكرون).
واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بإحياء الأرض الزراعية الموات، وشجّع على زراعتها، باعتبار ذلك عملا صالحا يؤجَرُ عليه صاحبه؛ فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من أحيى أرضاً ميتةً له بها أجر، وما أكَلَت منه العافية فله به أجر).
وفي خضم الصراع الذي دار بين الإسلام من جهة والجاهلية الأولى من جهة أخرى، وحين اتجه أعداء الإسلام وتحالفوا على القضاء على الإسلام في المدينة، وشنوا الحروب والغزوات، وحاصروا المسلمين فيها، دعا الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم إلى إحياء الأرض الموات، حثا على الاكتفاء الذاتي، الذي سيكون أحد أهم أنواع الأسلحة التي أنجزها المسلمون في طريق الانتصار على الوثنية؛ فعن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعِرقٍ ظالمٍ حقٌّ)، وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من أعمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق).
وقد حث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الاستزراع واستصلاح الأراضي الزراعية حتى ولو في آخر العمر، وإذا لم يستطع أن يزرعها فليوفرها لأخيه ليرزعها، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسْها). ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (من كانت له أرض فليزرعْها، فإن لم يزرعها فليُزْرِعْها أخاه).
بل إن الإسلام يملك الأرض من يحييها ويزرعها بعد مواتها، ويعتبر قيامه بذلك عملا صالحا يؤجر عليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».
ووردت عدة آيات قرآنية تتحدث عن الزراعة وأنواع المنتجات الزراعية المختلفة ففي سورة النحل قال تعالى:(هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون *ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكرون).
وفي سورة الأنعام يقول تعالى: (وهو الذي أنشأ جناتٍ معروشاتٍ وغير معروشات والنخل والزرع مختلفًا أكله والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
وهناك العديد من الآيات التي تتحدث عن الزراعة، وأهميتها، وأنواع المزروعات، وتدعو إلى التفكر فيما أودعه الله من نعم للإنسان وللحيوان.
ويكفينا آية واحدة من كتاب الله تأمرنا بالإعداد لأعدائنا بكل ما نستطيعه من قوة، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ)؛ حيث هذه الآية تأمرنا كأمة مسلمة أن نعد كل قوة نقدر على إعدادها، وأهمها القوة الاقتصادية، والزراعة هي لب الاقتصاد؛ حيث يعتبر الاكتفاء الذاتي في الحاجات الضرورية أحد أبرز مقومات الأمن القومي لأي بلد، وبالتالي فنحن مأمورون شرعا بأن نتحرك لتحصيل هذه القوة المهمة والعظيمة.
وقد نهى الدين الاسلامي عن الفساد في الأرض ومنها قطع الأشجار، والاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة التي تضر بالبيئة؛ قال تعالى:(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين)، وقال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وقال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).
في هذه الآيات ينهى الله سبحانه وتعالى عن الإفساد في الأرض، ومنها ما هو متعلق باستصلاحها وزراعتها، وعدم تدمير الزراعة، ومنها قطع الأشجار، وكلما يضر بالبيئة، والخلاصة فكل ما يخرب ويفسد ما بناه الله وأصلحه في هذه الدنيا فهو فساد منهي عنه شرعا.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى الجيوش عن قطع الأشجار، وعند فتح بلادٍ فقد كان أول ما يقوم به المسلمون هو بناء المسجد والاهتمام بالزراعة.
وفي التفكير الاستراتيجي الذي يريد للأمة الخير ولو لأجيالها اللاحقة يأمر رسول الله بغرس الفسيلة تكون في يد أحدنا، حتى ولو كان في يوم القيامة، ولقد فهم الصحابة مغزى هذا التوجيه الكريم، وطبقوه في حياتهم العملية بكل إخلاص طمعا في ثواب الله، وعمارة للأرض، ورخاء للإنسانية، فقد غرس الصحابي أبو الدرداء شجرة جوز، وهو شيخ طاعن في السن، فسأله أحدهم: أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا من السنين؟ فأجابه أبو الدرداء: وماذا عليّ أن يكون لي ثوابها ولغيري ثمرتها؟ وكان شعارهم: غَرَسَ لنا مَنْ قبلنا فأكلنا، ونحن نغرس ليأكل مَنْ بعدنا.
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، فقال: يا أمير المؤمنين أتيتُ أرضًا قد خربت، وعجز عنها أهلها، فكرست أنهارًا وزرعتها، فقال سيدنا علي: (كل هنيئًا وأنت مصلح غير مفسد، مُعَمِّر غيرُ مخرِّب).
وكان بناء الأرض زراعيا، وتطويرها لدى الإمام علي أهم من جباية الخراج منها، وقد أوصى عماله بهذه السياسة النهضوية المهمة، فقد قال في عهده لمالك الأشتر: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الخَرَاجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالعِمَارَةِ، وَمَنْ طَلَبَ الخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ البِلادَ، وَأَهْلَكَ العِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً).
وظل الاهتمام بالزراعة عند المسلمين في الصدارة حتى في عهود الظلم والاستئثار في أيام الخلفاء الأمويين والعباسيين.
الرفق بالفلاحين:
ونظرا لأهمية الزراعة في بناء الدولة واستقرارها؛ قال تعالى:(ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)، فقد كان للفلاحين مكانتهم في المجتمع في الإسلامي، وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الجيوش الإسلامية التي كانت تفتح البلدان إلى عدم التعرض للفلاحين أو أذيتهم، فقد روي عن بعضهم أنه قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: (وصّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا عليه السلام عند وفاته فقال: يا علي لا يُظْلَمِ الفلاحون بحضرتك، ولا يزاد على أرضٍ وُضِعَتْ عليه، ولا سخَرَةَ على مسلم).
وهكذا يتبين لنا أن الإسلام من خلال القرآن الكريم وتطبيقات الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم تشكل الأسس المهمة للنهضة الزراعية في إطار النهضة الحضارية التي يجب أن نسعى في مراقيها اليوم في يمننا الحبيب، وأمتنا المسلمة، وأن ما لدينا من ثقافة وموروث حضاري كفيل بأن يجعلنا في أوائل الدول المكتفية ذاتيا، والتي تهتم بالزراعة على مستوى واسع.

اهتمام الدين الاسلامي بالزراعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى