إرشاداتصحافة

وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين… الزراعة وردت ضمن الرسالة

الدكتور/ يوسف المخرفـي

تعد الزراعة أحد مهام خلافة الإنسان لله في الأرض، وأحد المظاهر التعبدية التي يحبها الله؛ وصورة إيمانية من صور تجليات الله ومعرفة الله بالنظر في مخلوقاته.
فالمزارع أكثر إيماناً مما سواه لكثرة ملاحظته وتأمله وإعمال نظره بعمق في عظمة الخالق -عز وجل- من لحظة بذر البذور وطوال فترة نمو الغرس الذي غرسه، وهو ما تأكد لي من خلال دراستي لمقرر الإيكولوجيا البشرية خلال مرحلة الدكتوراه.
والزراعة بمفهومها الشامل تضم النبات والحيوان والثروة السمكية، ومفهوم حضاري، إذ كتب للإنسان الاستقرار والارتباط بالأرض بدلاً عن حياة الجمع والالتقاط والترحال بعد اكتشافه للزراعة قبل ٥٠٠٠ سنة (ق. م).
ووفقا لمعتقداتنا؛ فإن جميع الأنبياء والرسل قد امتهنوا حرفة الرعي، وهي حرفة تندرج ضمن المهن المرتبطة بالزراعة؛ فما زادهم ذلك إلا إيمانا بالخالق -عز وجل-.
وفي لحظة ظهور بعثة الرسول كانت قريش تمتهن حرفتي الرعي والتجارة، وحين هجرته إلى يثرب كانت تضم بعض أشجار النخيل؛ فغير اسمها إلى المدينة المنورة، إيذانا بعهد جديد يتم فيه تطبيق رسالته العظيمة.
العهد الجديد بقيادة رسول الله تضمن مفردات حضارية على مختلف الأصعدة الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وجميعها تم توظيفها في خدمة الزراعة كنظام اقتصادي حضاري لحضارة ستحكم الدنيا وفق ما ورد في الرسالة الرحمة للعالمين.
فقد واجه الرسول ظاهرة التسول بتوجيه أوامره للمتسولين بامتهان الاحتطاب حتى صار من وجههم نحو ذلك من كبار تجار الحطب في المدينة المنورة، كما وجه بمنح البعض منهم قطعان من الأغنام لرعيها وتنمية الثروة الحيوانية.
كما وجه المهاجرين باحتراف الزراعة وطلب من الأنصار منحهم أراضي زراعية للامتهان بها والاعتماد على الذات وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفي إطار التحول من النظام الإقطاعي؛ فقد كان يوزع الأراضي لمن هم أهل، لزراعتها بحسب قدراتهم وطاقاتهم.
وما كان لنبي أن يكون له أسرى؛ فكان يقرر على الأسير تعليم المسلمين القراءة والكتابة، أو غرس الأشجار المثمرة وريها مقابل نيلهم الحرية. كما أمسك يوم بيد مزارع وهي مشققة ومبتلة بالتراب، ورفع يده وقال: هذه اليد التي يحبها الله، هذه يد البركة.
كما أقر الزراعة كأحد تجليات العبودية لله فقال (ما زرع أحدكم من زرع فأكل منه طير أو دابة إلا كان له به صدقة) كما تشدد تشدد إيجابي مثمر بقوله (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فليغرسها).
كما كان يوصي جيوشه المباركة ألا يقطعون شجراً ولا يقلعون زرعاً، وكل هذا يدل على أن الزراعة كانت إحدى مهام رسالته العظيمة الرحمة للعالمين؛ فحقق الاكتفاء الذاتي للمدينة المنورة، وأوجد فرصاً للزكاة التي ستعود لصالح فقراء المسلمين، كما أوجد نظاماً حضارياً اقتصادياً يعد من أسس النظم الحضارية كمعلم أول للبشرية.
بالتالي جدير بنا الاقتداء بسيرة الرسول العطرة في عبادة الله بالعمل المنتج واستغلال نعم الله لتحقيق خلافتنا لله في الأرض بدلاً من تحويل الأراضي الزراعية إلى أراض عمرانية، والوقوف موقف المتفرج من سيول مياه الأمطار التي تعود إلى البحر، دونما حصدها وحجزها والاستفادة منها وسيحاسبنا الله على كل ذلك التقصير والتفريط.

*أستاذ ورئيس قسم البيئة والتنمية المستدامة المساعد بجامعة ٢١ سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى