الدكتور/ يوسف المخرفي
يوصف المجتمع اليمني منذ القدم بأنه مجتمع ريفي قبلي زراعي، وكانت مدنه تعد بالأصناع ولا تشكل نسبة كبيرة من سكانه.
وبحسب الإحصاء السكاني في منتصف سبعينيات القرن العشرين الماضي؛ فقد كان سكان الريف يشكلون نحو ٨٥% من السكان، لتتناقص هذه النسبة إلى ٧٥% العام ٢٠١١م نتيجة الهجرة من الريف إلى المدن.
وتعزى أسباب تلك الهجرة إلى أسباب طبيعية وبشرية، وجميعها ناتجة عن انعدام الخطط التنموية الموجهة نحو الريف سواء تلك المعنية بمعالجة آثار الجفاف والتصحر، أو تلك المتعلقة بتوفير الخدمات من طرق وكهرباء ومياه شرب وري واتصالات وصحة وتعليم مناسب.
ولذا قيل للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي -طيب الله ثراه- : “لقد أنشأنا المدارس في جميع مدن اليمن” فرد قائلاً : “هذا يعني أن نسبة النجاح ١٥% وهي نسبة لا تعد تنموية على الإطلاق كون سكان المدن لا يشكلون سوى ١٥% من السكان”.
وفي ذلك درس تنموي هام للتعامل مع لغة الأرقام والتعداد السكاني، وأهميته في توجيه خطط التنمية وجهتها المناسبة.
والملاحظ في الوقت الحاضر ومنذ أحداث ٢٠١١ وحتى الآن أن هناك هجرة عكسية من المدن إلى الأرياف بسبب الأحداث الناتجة عن الصراع السياسي، ونتيجة للعدوان الهمجي الغاشم، وكذا انقطاع المرتبات منذ العام ٢٠١٤م بسبب نقل البنك المركزي إلى عدن ونهب إيرادات النفط والغاز إليه وحرمان المناطق الحرة من حقوقهم.
وبما أن نحو ٧٥% من سكان اليمن الذين يتجاوز عددهم ٣٥مليون مواطن، منهم نحو ٢٥ مليون مواطن ريفي يمتهنون الزراعة والرعي؛ فإن ذلك يعد ممراً لتحقيق تنمية مستدامة مأمولة، لتحسين موقع اليمن على تقديرات التنمية المستدامة التي تقبع في المرتبة ١٦٣ بحسب تقرير التنمية العالمية ٢٠٢٣م، وذلك من خلال وضع خطة استراتيجية تنموية مستدامة للمناطق الريفية.
تجدر الإشارة إلى أن مفهوم التنمية المستدامة يشير إلى تلك التنمية التي تلبي احتياج الأجيال الحاضرة دون المساس بحق الأجيال القامة من الموارد الطبيعية، كما أن لها ثلاثة أطر طبيعية واجتماعية واقتصادية؛ وبالتالي جدير بتلك الخطة أن تتضمن تلك الأطر ومفرداتها وبنودها.
ففي الجانب الطبيعي لابد أن تراعي الجوانب الجيولوجية (الأحجار الكريمة- أحجار ومواد البناء) وفي الجانب المناخي لابد من التوجه نحو الإكثار من زراعة الأشجار المثمرة، وتفعيل ثقافة المحاجر للمراعي العشبية؛ بما يؤدي إلى تنمية الثروة الحيوانية أيضاً، وكذا المحافظة على المحميات الطبيعية، وجميعها تقع في مناطق ريفية.
وفي الجانب الاجتماعي لابد من الاهتمام بالتعليم والتوعية بأهميته، وتفعيل قانون التعليم وإلزاميته للحد من تسرب الطلبة عن التعليم، وحرمان الفتاة الريفية من فرص التعليم، حيث توصف المرأة الريفية بالنصف المشلول في المجتمع، وكذا الاهتمام بالخدمات الصحية من خلال إنشاء وحدات صحية في جميع القرى او العزل على أقل تقدير.
وفي الجوانب الاقتصادية لابد من تفعيل الإرشاد والتسويق الزراعي للتحول بالمواطن الريفي من الزراعة الفردية التقليدية إلى الزراعة العلمية المنظمة، وكذا التحول من الري بالغمر إلى الري بالرش والتنقيط، والتحول من ضخ المياه بالوقود نحو المنظومة الشمسية، والتحول من إسالة المياه عبر السواقي إلى مشاريع ومواسير المياه.
ونؤكد على أن عملية التنمية بشكل عام والريفية بشكل خاص تعد عملية شاملة متكاملة لا تقبل التجزئة أو أنصاف الحلول؛ فهل سنضع خطة تنموية مستدامة شاملة متواصلة لتحقيق تنمية ريفية تشكل ممراً تنموياً مستداماً للوطن ككل حضره وريفه؟ * استاذ العلوم البيئة والتنمية المستدامة المساعد