حواراتصحافة

نظرة جديدة لاقتصاديات المشروعات الصغيرة والتمكين

نظرة جديدة لاقتصاديات المشروعات الصغيرة والتمكين

اليمن الزراعية- محمد عبد القادر

تعتبر المشروعات الصغيرة احدى الوسائل المتاحة لتحقيق الفائدة وتحسين الدخل للأفراد. فالمشروع هو نشاط اقتصادي يهدف إلى الربح من خلال النشاط أو الخدمة التي يقدمها للآخرين، وقد شجعت الكثير من الدول وخاصة الدول النامية قيام المشاريع الصغيرة كوسيلة من وسائل تحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلدانها، ساعدتها في ذلك مؤسسات التمويل المحلية والدولية.

القروض والمشروعات الصغيرة:

ارتبطت المشاريع الصغيرة بالقروض حتى وصل الأمر إلى  أن يصبح التمويل أو الاقراض في حد ذاته هو الهدف بغض النظر عن المشروع نفسه ودوره التنموي، وتعددت وسائل التمويل أو الإقراض وانتشرت مؤسسات التمويل بشكل ملفت وتنافست في عرض خدماتها للعملاء، وتقديم التسهيلات الأفضل وأصبحت عملية الاقتراض سهلة وبضمانات متاحة؛ ولذلك ارتفعت نسبة الاقتراض بهدف اقامة مشايع صغيرة أو مستلزمات في إطار هذه المشروعات، وتعددت مسميات القروض ربوية، وغير ربوية(اسلامية) وتحت هذه العناوين تأتي القروض الميسرة والبيضاء. إلخ) وبنسب استرداد عالية تثقل كاهل المقترضين، ويصبح الإيفاء بمستحقات القرض مشكلة بحد ذاتها.

المشروعات الصغيرة في واقعنا الاقتصاد والمعيشي:

المبدأ الاقتصادي الحالي في تمويل المشروعات الصغيرة هو الاقتراض والمصدر الرئيسي للاقتراض هي مؤسسات التمويل بمختلف توجهاتها الربوية أو غير الربوية، بحسب مفهوم تلك المؤسسات، ومع اختلاف شكل التمويل إلاّ أن تلك المؤسسات تتفق أغلبها في ارتفاع نسبة الأرباح وعوائد القروض المستحقة على العميل، ولذلك تعتبر من بين أعلى نسب الاسترداد في العالم مع نسب نجاح وانجاز منخفضة لتلك المشاريع.

هل حققت المشروعات الصغيرة الفائدة المرجوة منها؟

للإجابة عن هذا التساؤل يجب علينا أن نعرف أن أهمية المشروعات الصغيرة تتحقق بمقدار العائد أو الفائدة التي تعود على صاحب المشروع بالإضافة إلى نسبة مساهمة هذا المشروع منفرداً أو مجتمعاً مع المشاريع المشابهة في الدخل الاجمالي للبلاد، ومدى استمرارية هذه المشاريع، وعدد العمالة التي يشغلها، وطبيعة التوزيع الجغرافي المنطقي لنوعية المشاريع والقطاعات التي تندرج في اطارها.

وما نلمسه في الواقع لا يحقق إلى حد كبير هذه النقاط التي ذكرناها، بل على العكس أصبحت تلك المشاريع تمثل عبئاً ثقيلاً على أصحابها ومصدر اشكاليات مجتمعية وقضائية لبعضها.

إذاً كيف لنا أن نصحح هذا المسار لقطاع المشروعات الصغيرة؟

في هذا العدد من صحيفة «اليمن الزراعية» سنطلق فكرة اقتصادية بنظرة جديدة عنوانها “الكل يكسب” ومبدأها “الكل يساهم” تحترم قيمنا المجتمعية وتتصبغ بهويتنا الايمانية.. ستطرح للنقاش والنقد قابلة للحذف والإضافة.. والى الله المقصد ومنه التوفيق.

يمكن وبشكل موجز أن نوضح تماماً شكلاً من أشكال مشاريع التمكين تحت النظرة الاقتصادية (الكل يكسب) وبمبدأ العطاء المشترك للوصول إلى الفائدة المشتركة المبنية على المفهوم القرآني “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الأثم والعدوان” وسنأخذ مشروع ضمن أنشطة الثروة الحيوانية كما يلي:

مسمى الفكرة(المشروع): تمكين الأسرة الريفية في مجال تربية الثروة الحيوانية وتصنيع منتجاتها.

مقدمة: يعتبر قطاع الإنتاج الحيواني من القطاعات الاقتصادية المهمة للكثير من دول العالم كما هو الحال في دولة مثل هولندا التي يعتبر الجبن أكثر السلع تصديراً فيها، والبرازيل التي تمتلك أكبر تنوع للثروة الحيوانية في العالم، وتركيا التي تحتل المركز الأول أوروبياً في أعداد الثروة الحيوانية، ودول أخرى كالهند والصين من آسيا، حيث يبلغ نصيب الإنتاج الحيواني 30% من اجمالي ناتج القطاع الزراعي العام.

ويعتبر قطاع الثروة الحيوانية والإنتاج الحيواني في اليمن من أهم القطاعات التي تدعم دخل الأسرة من خلال الاستفادة المادية من عائدات بيعها أو بيع منتجاتها، والاستفادة المعيشية كونها مصدر غذائي أساسي ومهم بشكل يومي من خلال الألبان واللحوم وغيرها من الفوائد في المجال الزراعي.

 وعلى الرغم من ذلك فإن قطاع الإنتاج الحيواني في اليمن يعاني من مشاكل وارهاصات متعددة هي نتيجة سنوات طويلة من الإهمال كانت نتيجتها قلة عدد الحيوانات بأنواعها المختلفة وأهمها الأبقار والأغنام والماعز، وضعف في انتاجيتها من الحليب واللحوم والمواليد، وانعدام الصناعات الغذائية والتحويلية المرتبطة بها، إضافة إلى مواسم الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف وشحة المراعي وغيرها من المشاكل.

 وإذا أخذنا جانب الإنتاجية من الحليب فإنتاجية البقرة اليمنية لاتصل إلى 10لترات في اليوم بينما يصل متوسط إنتاجية البقرة من الحليب في هولندا مثلاً إلى 50 لتراً يومياً، كذلك الضعف المالي والمعرفي عند الأسر الريفية، والآلية الربوية والاستغلالية للقروض تحت بند المشاريع الصغيرة التي تمولها الكثير من المؤسسات النقدية والبنوك المحلية والأجنبية المرتبطة بها.

ومن منطلق أهمية هذا القطاع وما يعاني من مشاكل مختلفة ولصعوبة قيام الدولة بدور فعال في هذه الفترة خلال الحرب والعدوان كان من المهم أن تقوم شراكة حقيقة تحت مبدأ (الكل يكسب) للانطلاق نحو نهضة حقيقية للمشاريع الصغيرة التكاملية بين الجهات والمؤسسات والهيئات في قطاعات الدولة الخاصة والعامة وبين أفراد وقطاعات المجتمع وكان هذا المشروع الموجه نحو قطاع الإنتاج الحيواني والثروة الحيوانية مثالاً جيداً لنظرتنا الاقتصادية الحديثة للمشروعات الصغيرة بفكرتها الجديدة التي تراعي خصوصيتنا المجتمعية وهويتنا الايمانية.

أهداف الفكرة (المشروع):

  • الأهداف الخاصة:
  • التمكين الاقتصادي للأفراد والأسرة الريفية اليمنية.
  • تعتبر مصدراً سهلاً للدخل المادي والعيني للشركات والمؤسسات الخاصة والعامة المنضوية ضمن النظرة الاقتصادية (الكل يكسب) بغض النظر عن طبيعة التوجه الاقتصادي لها.
  • الأهداف العامة:
  • التنمية الفعلية لقطاع الثروة الحيوانية اليمنية ومنتجاتها المختلفة.
  • خطوة أساسية في طريق الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية ومنتجاتها المختلفة وبدرجة أساسية الألبان ومنتجاتها.

وهذه الأهداف الخاصة والعامة في مجملها تؤدي إلى رفع مستوى الدخل القومي العام للبلاد.

أهمية الفكرة(الرؤية): تكمن أهميتها فيما يلي:

  • أنها ترسي قواعد ونظريات وسلوك جديد نحو المشاريع الصغيرة يغاير إلى حد كبير ما هو سائد حالياً، حيث تضع حداً للتعاملات المالية الانتهازية حيال المستفيدين والسلوكيات الربوية المدعومة من مؤسسات التمويل الدولية، وترسخ مبدأ البر والتعاون والمشاركة الإيجابية تحت نظرة الكل يكسب.
  • تحفز المجتمع بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية نحو اتجاهات التنمية الاقتصادية بمجالاتها المختلفة وفي مقدمتها المجال الزراعي.
  • الفكرة الواردة في هذه الدراسة من المتوقع أن تكون نواة للتنمية الزراعية في قطاع الإنتاج الحيواني والأنشطة الصناعية المرتبطة به من خلال التوسع والانتشار، وزيادة في أعداد الحيوانات المنتجة للحليب واللحوم (أبقار وأغنام بشكل أساسي) يرافقها نشر الوعي المعرفي بأساليب التربية، والرعاية السليمة، وانتقاء السلالات الإنتاجية وادخالها، كذلك كيفية إدارة المراعي والأعلاف، وأخيراً تعلم أساليب التصنيع الغذائي المنزلي والتجاري للاستغلال الأمثل لمنتجات الثروة الحيوانية.

النطاق الجغرافي للفكرة: كافة المناطق الريفية والحضرية للجمهورية اليمنية.

المعنيون بالفكرة (المشروع): هم على أربعة مستويات هي:

المستوى الأول: يمثلون الطرف الأول وهم المعنيون بالمساهمة المالية، مع دور أساسي في المتابعة والتقييم وهم المؤسسات والهيئات العامة والخاصة التي تنطبق عليها الشروط المالية (تمتلك رأس مال كبر أو يعادل 500مليون ريال يمني)، مع وجود فرصة اختيارية للشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية المختلفة التي يقل رأس مالها عن 500 مليون في الاشتراك والمساهمة بهذه الفكرة(المشروع) للحصول على المزايا والامتيازات المرتبطة بهذه الفكرة.

المستوى الثاني: هم الطرف الثاني والمعنيون بالمساهمة التنفيذية (التنفيذ الميداني لفكرة المشروع) وهم كل الأسر الريفية ضمن النطاق الجغرافي لليمن، والذين تنطبق عليهم شروط المساهمة (أن تمتلك أرضاً للحضيرة، وأرضاً زراعية لا تقل عن هكتار مجموعة أو مجزأة، ومصدر للمياه خاص به، أو عام بالمنطقة مستمر لتلبية التربية والرعاية وزراعة المحاصيل العلفية).

المستوى الثالث: المعنيون بالمساهمة الارشادية وهم جهتان:

الأولى: أساسية والزامية في تحملها للدور الارشادي وفي تأهيل وتدريب المساهمين التنفيذيين، مع دور في المتابعة والتقييم وهي وزارة الزراعة والري واللجنة الزراعية والسمكية العليا.

الثانية: تطوعية ميسرة وهي المؤسسات التنموية الخيرية ودورها ارشادي، وتأهيل وتدريب المساهمين التنفيذيين.

المستوى الرابع: ويتضمن هذا المستوى دورين كما يلي:

  • دور تنظيمي وتحفيزي لكل من المستويات السابقة وهم وزارات (الصناعة والتجارة، الزراعة والري، الشؤون الاجتماعية والعمل، الإدارة المحلية).
  • دور الضبط متمثل في السلطة المحلية (الامن والقضاء).

والمسؤوليات ستتم بشكل بسيط وانسيابي دون تعقيد وضمن الأنشطة الروتينية للجهات المشار اليها.

انتهى الجزء الأول المخصص لهذا العدد.

 وفي العدد القادم سنوضح آلية تطبيق الفكرة(الرؤية) الاقتصادية هذه، ونوضح الدور الفاعل والمحفز لقطاع الضرائب، ونوضح أيضاً النطاق الاقتصادي الواسع الذي يمكن تعميم الفكرة(الرؤية) من خلاله للوصول إلى مستوى طموح من التنمية الاقتصادية بعون الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى