إرشاداتصحافة

سياسة الحمائية المتكاملة للعودة باليمن إلى عصر الاكتفاء الذاتي والتصدير

سياسة الحمائية المتكاملة للعودة باليمن إلى عصر الاكتفاء الذاتي والتصدير

الدكتور/ يوسف المخرفي

بادئ ذي بدء، سأظل واحداً من القلائل الذين يؤمنون إيماناً مطلقاً بأن اليمن أرض الجنتين، كصفة لم تنطق عن الهوى؛ بل كما وصفها القرآن الكريم، وكل خروج عن هذا الوصف من قبيل وصفها كأحد البلدان النامية أو الفقيرة أو الأشد فقراً يعد جحوداً بهذا الوصف الرباني لها.

وما أدراك ما وصف أرض الجنتين؟ فهذا الوصف يعني أن الله قد اختصها بكل شيء، وبالأجود من كل شيء؛ ولكنها وقعت فريسة لأطماع خارجية متعاقبة، وصراعات داخلية متتالية؛ وصنوف فساد متعددة؛ فالعزلة التي فرضت على المجتمع اليمني لقرون وعقود من الزمن كانت أداة فساد وتخلف؛ وانعدام الرؤى والخطط والسياسات، كان فساداً أيضاً؛ والتقصير في أداء الواجبات أو إهمال تنفيذها؛ يعد ضرباً من ضروب الفساد؛ وتعيين غير المتخصصين وغير الأكفاء يعد أبشع صور الفساد؛ وبفعل كل ذلك أضرج اليمن في أتون بلد نامي وفقير؛ بل وأشد فقراً ؛ وأضحى بيئة طاردة لكفاءاته نحو الهجرة والاغتراب.

وفي دراسة أعددتها في العام ٢٠١٦م، استطعت حصر جميع الثروات المعدنية التي يمتلكها؛ وخلصت من خلال تلك الدراسة إلى امتلاك اليمن لجميع أنواع الثروة المعدنية؛ وبكميات تجارية وذات جدوى اقتصادية؛ باستثناء القصدير والفوسفات كمعادن نادرة على المستوى العالمي؛ وأعتزم إعداد كتاب (شخصية أرض الجنتين) الذي سيوضح جميع أنواع الموارد الطبيعية المتوفرة؛ لتحويلها إلى فرص استثمارية في المستقبل.

ويمكن القول إن اليمن حتى قيام ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م كان في حالة اكتفاء ذاتي من الحبوب والفواكه والخضروات، بل ومصدراً لها إلى دول الخليج؛ ثم انقلبت الآية -بفعل العوامل سالفة الذكر- لتصل حالة الاكتفاء الذاتي إلى نسبة ١٥% ومستورداً لكل شيء بنسبة ساحقة ٨٥%.

جدير بالذكر أن درجة شغف الاستيراد وصلت إلى استيراد القلم الحبر والرصاص والكراسة وأدوات الكتابة من أقصى شرق الأرض في الصين- وهذا يعد عيباً حضارياً، بل واستيراد السلع الغذائية الأساسية، وفي مقدمتها القمح بكمية وصلت إلى ثلاثة مليون طن سنوياً، وكذا استيراد ملبوساته عقب تعطيل مصنع الغزل والنسيج بصنعاء؛ لنقع تحت طائلة (لا خير في شعب لا يأكل مما يزرع ولا يلبس مما يصنع).

تيار العولمة الجارف ممثلاً بأدواته العاصفة بالدول النامية والدول التي تعاني حالة فساد عارمة من خلال الشركات العابرة للقارات والمتعددة الجنسيات حول تلك الدول، من دول مكتفية ذاتياً ومصدرة إلى دول مستوردة لكل شيء، لتقع في دائرة مفرغة من الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل وانعدام القوة الشرائية وبالتالي سوء التغذية.

جدير بالذكر أن بعض الدول النامية استيقظت من سباتها ودخلت في مواجهة مع كبار المستوردين ليتحولوا إلى مصنعين محلياً بفضل تراكم رؤوس الأموال في أيديهم، والبعض اتجه نحو اتباع سياسة الحمائية للمنتجات المحلية أمام منافسة السلع العالمية؛ فنافستها باقتدار من نواحي الجودة والأسعار؛ فنجحت تلك السياسات في دعم المنتجات المحلية وتحقيق مؤشرات نمو اقتصادي مقبول.

أما الدول النامية الأخرى التي وقفت موقف المتفرج- كحال بلادنا للأسف- فقد تعرض اقتصادها للفشل نتيجة انهيار العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى بسبب شهية الاستيراد المدمرة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في مقابل عدم القدرة على تحسين مستوى الدخل، مما زاد من معدلات الفقر والبطالة.

إن مسألة دعم وتشجيع المنتجات المحلية مسألة متعددة الجوانب والأبعاد؛ فهي بحاجة إلى اتباع سياسة الحمائية، والدعم المادي المباشر من قبل الحكومة للشركات الوطنية، وكذا التشجيع من خلال الإعفاءات الجمركية وخفض الضرائب، ومن خلال تحسين جودة المنتج المحلي بتفعيل برامج المقاييس والمواصفات، وكذا تنمية قيم المواطنة لدى المواطنين من خلال المناهج الدراسية والبرامج الجامعية حتى تعطي الأجيال الأولوية والافتخار بالمنتجات المحلية.

*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة ٢١ سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى