تقاريرصحافة

تقليص لمساحات الغطاء النباتي وتهديد للبيئة

تقليص لمساحات الغطاء النباتي وتهديد للبيئة

التحطيب الجائر في تهامة

تمتاز تهامة بالانتشار الكثيف للأشجار على مساحات واسعة، وتسمى “الهِيَج” والتي تشكل الغطاء النباتي لحماية البيئة، والتي تتواجد فيها مختلف الحيوانات البرية والطيور. وتعد مصدر غذائهم وعيشهم الوحيد، ومنها ما يتخذ منه النحل مراعي لإنتاج أجود أنواع العسل في تهامة كأشجار السلام “السول” والسدر.
ومن بين تلك الأشجار أشجار معمرة تتراوح أعمارها بين مائتين إلى ثلاثمائة عام.

اليمن الزراعية – أيوب أحمد هادي

وفي السنوات الأخيرة شهدت تهامة تقلصاً غير مسبوق للمساحات الخضراء الطبيعية نتيجة انتشار مكثف لظاهرة التحطيب الجائر وغير المنظم، والذي بات يهدد بانقراض بعض الحيوانات والطيور بسبب تدمير موطنهم الطبيعي.
وفي هذا الشأن يشير مدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة الحديدة المهندس عبدالقادر يغنم إلى أن الغطاء النباتي يعتبر من أهم المكونات لحماية البيئة، من خلال أهميته في تلطيف حرارة الجو، وتوفير الأكسجين اللازم لتنفس الكائنات الحية، كما يعتبر موطناً مهماً لمختلف الكائنات الحية فيها، نظراً لتوفر الظلال الناتجة عن كثافة الأشجار.
ويؤكد أن الغطاء النباتي المتنوع يعتبر مراعياً أساسية للحيوانات والنحل.
ويقول عبدالقادر يغنم: “بسبب انعدام المشتقات النفطية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية بسبب الحرب والعدوان والحصار على بلادنا، لجأ أصحاب المخابز، والأفران، ومعامل صناعة الحلويات، والمطاعم، والكثير من الأسر في تهامة، واليمن بشكل عام إلى استخدام الحطب كوقود بديل عن الغاز والديزل؛ نظراً لقدرته العالية، وقلة تكليفه، وأسعاره الرخيصة.
ويضيف مدير حماية البيئة أن هذا تسبب تعرض الغطاء النباتي في تهامة إلى ظاهرة التحطيب الجائر، والذي قد تترتب عليه الكثير من الآثار السلبية التي تهدد البيئة الحيوية وربما تحدث أضراراً اقتصادية.

آثار الاحتطاب الجائر
ويستعرض يغنم بعضاً من الأثار السلبية للتحطيب الجائر ومنها:

  • زحف الرمال على الكثير من الأراضي الزراعية والمناطق السكنية.
    -نقص كبير في مراعي الثروة الحيوانية، وخاصة النحل والذي يؤثر على إنتاج العسل.
  • انقراض بعض الحيوانات البرية والطيور النادرة التي تتخذ من الأشجار مأوى لها.
    -ومن المخاطر أيضاً جفاف التربة وصعوبة تربية أشجار أخرى لتعويض الأشجار التي يتم قطعها لأنها تحتاج وقت كبير للنمو.
    ويوضح الأستاذ عبد القادر أن مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة الحديدة يحرص كل الحرص على إيجاد حلول جذرية للحد من التحطيب الجائر.
    ويقول يغنم إنه وفي السابق عندما تعرضت محمية برع لظاهرة التحطيب الجائر ” قمنا بتوعية المواطنين بأهمية المحمية، وخطر قطع الأشجار، والذي قد يتسبب في انقراض بعض الحيوانات والأشجار النادرة في المحمية وتوعيتهم باستخدام عمليات تقليم أغصان الأشجار الجافة، واستخدامها بدلاً عن القطع العشوائي، كما تم تشجيعهم على التوجه نحو الغاز كوقود بدلاً عن الحطب والزامهم بشراء أسطوانات الغاز”.
    ويضيف: “قمنا بتوفير ١٠٠ أسطوانة غاز، وتسليمها لأحد المواطنين حتى يتمكن المواطنون من استبدال الاسطوانات، بعد استخدامها، وهو ما ساهم في الحد من التحطيب بشكل كبير.
    ويشير إلى أن العدوان قصف محمية برع بعدة غارات، بذريعة التواجد العسكري فيها، وهذا تسبب في توقف نشاط الهيئة في المحمية، ولكن نسعى الآن إلى إعادة تفعيل النشاط من جديد وتنظيم عمليات الاحتطاب.

زحف الرمال وتأثر النحل
وتعرضت العديد من القرى في تهامة لزحف الرمال بشكل مخيف بسبب قطع الأشجار المحيطة بها بشكل مفرط.
وتعد قرية دير قطيمل بمديرة المراوعة واحدة من القرى التهامية التي تعرضت لزحف الرمال الكثيفة والتي تسببت في دفن العديد من المباني، وإجبار سكانها على تركها، بعد أن تعرضت الكثير من الأشجار التي كانت تحيط بالقرية من الجهة الغربية المقابلة لجهة هبوب الرياح لظاهرة التحطيب الجائر، ولم تكن تلك القرية هي وحدها التي تعرضت لزحف الرمال، بل كانت قرية دير الشراعي بالمراوعة هي الأخرى التي زحفت الرمال على مبانيها، وفي مديرية التحيتا منطقة المغرس أصبحت مهددة بالاندثار لوجود الكثبان الرملية المتضخمة على ضفاف المباني.
من جانب آخر يشكو النحال عبدالكريم العامري أحد النحالين المتنقلين للبحث عن المراعي المناسب للنحل، من انعدام المراعي للنحال بسبب قطع الاشجار بشكل عشوائي ومفرط.
ويقول العامري إن تناقص أعداد الأشجار التي نعتمد عليها في رعي النحل خصوصاً في مواسم السلام والسدر والضبايا، أثر على إنتاج هذه الأنواع من العسل، الذي يعتبر من أجود أنواع العسل، الذي ينتج في تهامة خصوصاً في مناطق الحواز، وبعض المناطق المرتفعة في تهامة، التي تعتبر من أكثر المناطق التي تنتشر فيها هذه الأشجار بشكل كبير.
ويضيف أن قطع الأشجار الجائر، وقلة المراعي، أجبر النحالون على استخدام السكر بكميات كبيرة، لاكتمال الغذاء اللازم للنحل، وهذا ما قد يؤثر على جودة العسل.
ويطالب العامري الجهات المختصة إلى وضع حلول جذرية للحد من ظاهرة التحطيب الجائر، وتنظيم عملية الاحتطاب حتى يتمكن النحالون في تهامة، من إنتاج العسل بجودة عالية.
مصدر دخل
وعلى صعيد متصل يشير عائش خبتي أحد الحطابين في المراوعة، والذي يمتهن مهنة التحطيب وبيعها كوقود إلى أن التحطيب يعد مصدر عيشهم، وأنه ورث هذه المهنة عن والده منذ أكثر من عشرين عاماً.
ويقول: “أنا أعمل في بيع الحطب وليس لدي مهنة غيرها وهي مصدر لقمة العيش”.
ويضيف : “كنا نعتمد في جلب الحطب من الهِيَج والتي تتواجد فيه أشجار كثيفة، نقوم بجمع الحطب وبيعه في السوق، لأصحاب الأفران ومنه ما يتم بيعه ليستخدم في بناء العشش”، مشيراً إلى أن الفترة الأخيرة شهدت “الهيج” نقص في وجود الأشجار، فأصبحنا نعتمد على الأشجار الموجودة في الأحواش القديمة، وبعض البيوت التي تتواجد فيها أشجار كبيرة فنقوم بشرائها وقطعها، ومن ثم بيعها في السوق، موضحاً أن هذا الأمر مكلف، ويحتاج جهداً كبيراً ومالاً، حيث نضطر للسفر إلى أماكن بعيدة، ونبقى عدة أيام حتى نتمكن من جمع حمولة سيارة، وهو ما يتسبب في رفع أجور النقل.

الحفاظ على محمية برع
وفي ظل انتشار هذه الظاهرة يبقى الاهتمام بالمحميات الطبيعية في تهامة أمر مهم، وضروري، خاصة محمية برع التي تمثل ما تبقى من الغابات الاستوائية ذات الكثافة المتشابهة، في شبه الجزيرة العربية، من أن تتوسع إليها هذه الظاهرة، خاصة لوجود التنوع الحيواني فيها، بالإضافة إلى التنوع النباتي، حيث تحتضن المحمية على ما يزيد عن 22 نوعًا و12 جنسًا و11 عائلة من النباتات، و تنمو فيها (315) نوع نباتي تتبع (83) فصيلة و (209) جنس وتقدر بحوالي (10%) من النباتات الموجودة في اليمن منها (63) نوعاً نادراً، وتعتبر موطناً مهماً لإنتاج العسل الدوائي في اليمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى