إرشاداتصحافة

البصمة البيئية والقدرة البيولوجية للجمهورية اليمنية

البصمة البيئية والقدرة البيولوجية للجمهورية اليمنية

نقاش فكري لأبعاد قضية الاحتطاب الجائر

الدكتور/ يوسف المخرفـي

يتضمن مفهوم الغطاء النباتي الطبيعي بشكل متدرج كلاً من الحشائش، والأعشاب والشجيرات والأشجار، والمراعي والغابات، وجميعها تعد ضمن موجودات أرض الجنتين التي أودعها الله في اليمن كسمة ظاهرية لها.
حيث يغطي النبات الطبيعي أكثر من ٥ مليون هكتار من مساحة الجمهورية اليمنية، أي أن ما نسبته ١٠% من أراضيها على هيئة مراعي في السفوح الجبلية، وغابات في بطون أوديتها، وأشجار وشجيرات في بيئاتها شبه الجافة، وبالتالي تعد اليمن واحدة من الدول العربية القلائل التي تتميز ببصمة بيئية وقدرة بيولوجية مناسبة إلى جانب المغرب ولبنان، فيما تعد دولتا قطر والإمارات ضمن الدول الأسوأ من نواحي أدوات تحليل التنمية المستدامة(البصمة البيئية والقدرة البيولوجية)، حيث تشير الأولى إلى حجم ما نحتاجه من الموارد الطبيعية، والثانية إلى قدرة الأرض على تلبية تلك الاحتياجات.
ورغم أن مناخ اليمن يتدرج ويتنوع ضمن المناخات شبه المدارية شبه الرطبة والمعتدلة والحارة والجافة، وشبه الجافة، إلا أنه يمتاز بغطاء نباتي عشبي وشجري، وغابي في محافظات صعدة، وحجة، والمحويت، وريمة، والحديدة، وإب، وتعز، والضالع، ويافع، وذلك لكون اليمن بيئة مطرية؛ وتنتشر الأشجار والشجيرات في بقية المناطق، فيما يكاد ينعدم الغطاء النباتي في شمال شرق اليمن الصحراوي الجاف فقط، في رملة السبعتين، والربع الخالي.
وبالتالي لجأ الإنسان اليمني إلى اعتماد الحطب كمادة وقود أساسية لفترة طويلة من الزمن في حدود التوازن بين البصمة البيئية والقدرة البيولوجية، حيث نظم عملية الاحتطاب بآليات المحاجر، والملكيات الخاصة، والعامة لها، فكان بالغطاء النباتي رؤوفاً رحيماً.
وعقب ظهور مادة الغاز المنزلي المضغوط، والمسال اتجه نحو اعتماده مادة للوقود، وتزايدت نسبة سكان المدن إلى ٣٠%، والذين يعتمدون على الغاز بنسبة ١٠٠% كما اتجه سكان الريف بنسبة لا بأس بها نحو الغاز المنزلي نتيجة تحسن ظروف المعيشة حتى عام ٢٠١١م، مما خفف الضغط على الغطاء النباتي ومن وطأة الاحتطاب الجابر.
ويشير مفهوم الاحتطاب الجائر إلى اقتلاع النبات من جذوره، أو الضغط بالاحتطاب على الغطاء النباتي أكثر من قدرته البيولوجية على التجدد، علماً أن النبات، والحيوان يصنفان ضمن الموارد الطبيعية المتجددة، شريطة عدم اقتلاع النبات من جذوره، وذبح صغار الحيوانات.
وقد يلجأ المواطنون في الريف إلى قطع جميع الأشجار دفعة واحدة، وهذا يعد بحد ذاته احتطاباً جائراً، كما قد يلجؤون إلى قطع جميع أغصان، وفروع الأشجار، ويجردونها من اليخضور ويبقون على الساق فقط، وهذا بدوره يندرج ضمن الاحتطاب الجائر أيضاً.
وقد استفحلت ظاهرة الاحتطاب الجائر عقب أحداث العام ٢٠١١، نتيجة ارتفاع أسعار مادة الغاز المنزلي، وازدادت الظاهرة تفاقماً عقب عدوان وحصار تحالف الشر الجائرين على اليمن العام ٢٠١٥، والذي لازالت آثاره مستمرة حتى يوم الناس هذا، مما جعل الناس يلجؤون إلى الاحتطاب، والاعتماد على الأخشاب كمادة أساسية للوقود في الريف، والمدن على حد سواء.
بالتالي نحن أمام قضية شائكة متعددة الجوانب والأبعاد، ومتكاتفة بشكل سلبي مع ظاهرة التغير المناخي، وما يرتبط به من مشكلات الاحتباس الحراري، وما يتصل به من ظاهرات الجفاف، والتملح، وانجراف النبات، والتصحر وجميعها مرتبطة بصورة مباشرة بالنبات كعماد أساسي للتوازن البيئي.
فالنبات يمتص الحرارة، ويوفر الظل، فيلطف الجو، ويمتص الكربون ويطلق الأكسجين إلى الجو، وينتج بخار الماء إلى الجو أيضاً، ويقلل من سرعة الرياح؛ فيخفف من قدرتها على حمل الرمال إلى المناطق الزراعية، أو الصالحة للزراعة (التصحر)، كما يعمل على تماسك التربة بواسطة جذوره، فيقلل أو يحد من انجرافها، وكلها مميزات، تؤكد على دور النبات في تحقيق الاستقرار والتوازن البيئي.
من هنا لابد من الوقوف أمام قضية الاحتطاب الجائر التي تعدت كونها مشكلة، لتصبح قضية شائكة متعددة الأبعاد والمشكلات، والظاهرات، وذلك بتظافر جهود الدولة والحكومة والمجتمع، حيث يتعين على الدولة والحكومة توفير مادة الغاز المنزلي والسعي نحو خفض أسعارها للعودة بالناس إلى عصر الغاز المنزلي، وكذا تفعيل سياسات المحاجر، والملكيات العامة، والخاصة للنبات الطبيعي، وتوعية المواطنين بخطورة هذه القضية على الاستقرار والتوازن البيئي، وبالتالي على صحتهم وسلامتهم، وكذا اعتماد سياسات وخطط وبرامج للتشجير، والإكثار من غرس الأشجار في المناطق الشجرية، والغابية المهددة او التي تتعرض للاحتطاب الجائر، وكذا إلزام ملاك الأشجار بشروط قطع الأشجار بحيث لايتم تجريدها من اليخضور، او قطع أشجار المنطقة دفعة واحدة، وإصدار القوانين والتشريعات التي تجرم اقتلاع النبات الطبيعي سواء لأغراض الاحتطاب للوقود او للعمران أو شق الطرقات.

*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى