من وجهة نظر علم الدراسات المستقبلية
الدكتور/ يوسف المخرفـي
لقد حملتُ على عاتقي هذه القضية كمتخصص يدافع عن قضايا وطنه من زاوية تخصصه البيئي والتنموي المستدام، والخوف على مستقبل وطنه وتنميته وأجياله القادمة التي نتحمل مسؤولية أن تعيش في ظل أمن غذائي مستدام لها وللأجيال المتعاقبة التي تليها.
ولقد تقدمت بمشروع دراسة مؤسسية وطنية معنونة بـ “النمو العمراني المستدام للحد من التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي” العام ٢٠٢٠م عبر الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، كمستشار لرئيسها، والذي بدوره عرضها على قائد الثورة وباركها.
كما عرضتها كقضية مكتملة الأركان إعلامياً ضمن قضايا الرأي العام في مقابلة تلفزيونية مع قناة اليمن اليوم خلال العام ٢٠٢١م لعل وعسى يصل صوتي وصوت القضية إلى متخذي القرار، ولكن دون جدوى.
ثم لما لم تنفذ حملتها، وعرضتها علمياً وأكاديمياً خلال فعاليات المؤتمر الزراعي الأول الذي احتضنته جامعة صعدة خلال الفترة ٢٧- ٢٩ نوفمبر ٢٠٢١م، والتي أدرجت ضمن توصياته العريضة، ولم يكتب لها التنفيذ أيضاً.
وبالتالي لجأت إلى إدراج القضية ضمن بعض المقررات الجامعية التي أقوم بتدريسها في محاولة يأس حاضرة لعلها تفتح نافذة أمل من خلال الأجيال المستقبلية؛ نظراً لخطورة القضية على أمننا الغذائي واكتفائنا الغذائي، وبالتالي سيادتنا الوطنية، ووجودنا الحياتي المتعاقب الأجيال.
وفي كل مرة أتساءل: أما يرى ويلاحظ المسؤولون ومتخذو القرار والقيادات المحلية والحكومية والسياسية والثورية القيعان والأودية الزراعية تتلاشى، وتقع فريسة للاحتلال الخرساني المستفحل في قيعان صعدة والبون بمحافظات عمران وصنعاء وجهران بذمار التي خلقها الله كسهول فيضية جبلية تعلو أحواضا مائية تحتها؟
ألا يدركون أنها لا تصلح لتتحول إلى مدن عمرانية آمنة من مخاطر سيول الجبال المحيطة بها في ظل عدم القدرة على إنشاء مصارف سيول آمنة تضمن صحة وسلامة السكان خصوصاً في حالات السيول العارمة التي تحول أحيائها إلى مستنقعات طينية ملوثة وخطيرة؟
وفي الواقع لن يدرك ويرى ويلاحظ ذلك كله إلا المتخصصون المدركون لخطورة هذه الظاهرة، وإن المعنيين الحاليون يعانون من حالات جهل وتدني مستوى وعي بآثار هذه الظاهرة، ويحدونا الأمل ناظرين إلى تطبيقات برنامج التغيير الجذري المؤمن بأهمية التخصصات والمؤهلات في حلحلة المشكلات الحاضرة والمستقبلية التي يعاني منها وطننا.
لقد حققت قيعان صعدة وعمران وصنعاء وذمار للوطن اكتفاء ذاتياً من الخضروات والفواكه منذ قرون حتى نهاية القرن العشرين الماضي؛ فأما قاع صنعاء الذي يبلغ طوله ٤٠ كم ومتوسط عرضه ١٥ كم ويساوي مساحة مملكة البحرين؛ فقد أطبقت عليه كلياً المباني والأحياء العشوائية للعاصمة صنعاء، وأما قاع صعدة فتتظافر الجهود السلبية للنمو العمراني الجائر لمدن المهاذر وصعدة والطلح وضحيان لتجهز عليه كلها بحلول العام ٢٠٥٠م.
وقل مثل ذلك بالنسبة لقاع عمران الذي تجهز عليه مدن ريدة وقهال وعمران وشبيل؛ لتحتله عمرانياً بحلول العام ذاته ٢٠٥٠م، ومثل ذلك في قاع جهران الذي تحتله مدن ذمار ومعبر ورصابة وزراجة ويكار وضاف؛ لتجهز عليه بحلول العام نفسه المشار إليه آنفاً على ضوء تقديرات اتجاهات النمو العمراني الحالية.
ثم قال قائل منهم: لا قلق يا صاح! فلدينا سهل تهامة الذي يبلغ طوله ٥٠٠ كم ومتوسط عرضه ٥٠ كم؛ فأجبت عليه أن مدن حرض وميدي وعاهم وبني حسن وعبس وشفر والخميس والزيدية والحديدة والضحي والخوخة وزبيد وباجل وبيت الفقيه والمخا وغيرها، لن تقصر جميعها في الإجهاز عليه بحلول العام ٢٠١٠٠م على أقل تقدير في ضوء اتجاهات النمو العمراني والانفجار السكاني الحالية.
وفي سطور هذا المقال وضعت الدولة والحكومة والجهات المعنية والسلطات المحلية والوجهاء والأعيان والقراء أمام الصورة السوداوية القاتمة التي تنتظر مستقبل وطننا بسيناريو مستقبلي سوداوي، فيما يتعلق بالمصالح العليا للوطن ممثلة في الأمن الغذائي للأجيال الحالية والمستقبلية والاكتفاء الذاتي بما يعزز سيادتنا الوطنية في الحاضر والمستقبل على ضوء التحديات الخارجية المحدقة بوطننا الحبيب.
أجدد الدعوة لصحيفة اليمن الزراعية التي تحمل مشعل الحماس الفكري والتنويري الزراعي للقيادة والحكومة والوزارة والمجتمع لتنظيم ندوة علمية حول مخاطر النمو العمراني على حساب الأراضي الزراعية، ولتدعو إليه قيادات الدولة الثورية والسياسية والحكومة والسلطات المحلية والوجهاء والأعيان والأكاديميون والأدباء والمثقفون والإعلاميون لتكون القضية قضية رأي عام وشأن عام ماثلة أمامهم بأركانها وأبعادها وعواقبها الوخيمة؛ لنكون عند مستوى حفظ الأمانة التي ورثناها من أسلافنا؛ لنسلمها مأمونة للأجيال القادمة.
*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية