الجزء الثاني
تكلمنا في العدد 45 من صحيفة “اليمن الزراعية” عن المشروعات الصغيرة، ووضحنا بعضاً من الإشكاليات التي تجعل آلية التمويل والاقراض عبئاً على أصحاب تلك المشاريع، وتظهر شبهة الربا واحدة من تلك الإشكاليات التي تمحق البركة في المشروع ككل.
وأوردنا في سياق تلك الإشكاليات رؤية اقتصادية بنظرة جديدة عنوانها “الكل يكسب” ومبدأها “الكل يساهم” تحترم قيمنا المجتمعية وتتصبغ بهويتنا الايمانية.
اليمن الزراعية – محمد عبدالقادر
الفكرة الواردة في هذه الدراسة من المتوقع أن تكون نواة للتنمية الزراعية في قطاع الإنتاج الحيواني والأنشطة الصناعية المرتبطة به من خلال التوسع والانتشار وزيادة الاعداد للحيوانات المنتجة للحليب واللحوم(أبقار وأغنام بشكل أساسي) يرافقها نشر الوعي المعرفي بأساليب التربية والرعاية السليمة وانتقاء السلالات الإنتاجية وادخالها، كذلك كيفية إدارة المراعي والأعلاف، وأخيراً تعلم أساليب التصنيع الغذائي المنزلي والتجاري للاستغلال الأمثل لمنتجات الثروة الحيوانية، وهي في كل الأحوال مطروحة للنقاش والنقد، قابلة للحذف والاضافة.
وفي هذا العدد سنكمل موضوع تلك الرؤية، حيث توقفنا عند المعنيين بالفكرة في جانبها التنفيذي وهم على أربعة مستويات هي كما يلي:
المستوى الأول: يمثل الطرف الأول وهم المعنيون بالمساهمة المالية، مع دور أساسي في المتابعة والتقييم وهم المؤسسات والهيئات العامة والخاصة التي ينطبق عليها الشروط المالية (تمتلك رأس مال أكبر أو يعادل 500 مليون ريال يمني)، مع وجود فرصة اختيارية للشركات والمؤسسات والكيانات الاقتصادية المختلفة التي يقل رأس مالها عن 500 مليون في الاشتراك والمساهمة بهذه الفكرة(المشروع) للحصول على المزايا والامتيازات المرتبطة بهذه الفكرة.
المستوى الثاني: هم الطرف الثاني والمعنيون بالمساهمة التنفيذية (التنفيذ الميداني لفكرة المشروع) وهم كل الأسر الريفية ضمن النطاق الجغرافي لليمن والذين تنطبق عليهم شروط المساهمة (أن تمتلك أرضاً للحضيرة، وأرضاً زراعية لا تقل عن هكتار مجموعة أو مجزأة، ومصدر للمياه خاص به أو عام بالمنطقة مستمر للتلبية التربية والرعاية وزراعة المحاصيل العلفية).
المستوى الثالث: المعنيون بالمساهمة الارشادية وهم جهتان:
الجهة الأولى: أساسية والزامية في تحملها للدور الارشادي وفي تأهيل وتدريب المساهمين التنفيذيين، مع دور في المتابعة والتقييم وهي وزارة الزراعة واللجنة الزراعية العليا.
الجهة الثانية: تطوعية ميسرة وهي المؤسسات التنموية الخيرية ودورها ارشادي وتأهيل وتدريب المساهمين التنفيذيين.
المستوى الرابع: ويتضمن هذا المستوى دورين كما يلي:
- دور تنظيمي وتحفيزي لكل من المستويات السابقة وهم الوزارات المعنية بشكل أساسي وهي (الصناعة والتجارة، الزراعة، الشؤون الاجتماعية والعمل، الإدارة المحلية).
- دور الضبط متمثل في السلطة المحلية (الأمن والقضاء).
والمسؤوليات ستتم بشكل بسيط وانسيابي دون تعقيد وضمن الأنشطة الروتينية للجهات المشار اليها.
آلية العمل والتنفيذ: ستتم بكل بساطة وسلاسة ويمكن توضيحها كما يلي:
يلزم على من تنطبق عليهم الشروط في المستوى الأول (الطرف الأول) وهم المؤسسات والهيئات العامة والخاصة التي تنطبق عليها الشروط المالية (تمتلك رأس مال أكبر أو يعادل 500مليون ريال يمني) بشكل الزامي، و اختيار أحد الأسر الريفية الزراعية المشار إليها في المستوى الثاني (الطرف الثاني)التي ينطبق عليها على الأقل الحد الأدنى من الشروط وهي أن تمتلك أرضاً للحضيرة، وارضاً زراعية لا تقل عن هكتار مجموعة أو مجزأة، ومصدر للمياه خاص بالمزارع (الأسرة) أو عام بالمنطقة كافي ومستمر لتلبية احتياجات التربية والرعاية وزراعة المحاصيل العلفية. وبعد عملية الاختيار تأتي عملية التنفيذ وهي العملية التي يتم من خلالها تزويد تلك الأسرة بمقومات المشروع الذي هو عبارة عن رأسين من الأبقار الاناث أو خمسة عشر رأساً من الأغنام والماعز عدا فحل أو اثنين يتم انتقاؤه بعناية لزوم التلقيح للقطيع، كما يتم شراء أصناف القطيع على ضوء صفات تتمتع بأفضلية إنتاجية للحليب والمواليد واللحوم(الوزن) أي اختيار أصناف وسلالات محسنة سواء من الأبقار أو الأغنام والماعز.
-1 إنشاء حضيرة ذات مواصفات قياسية وفقاً للشروط الصحية من حماية وتهوية ونظافة يتوفر فيها المعلف والمشرب وأدوات قص وتفتيت الأعلاف وغيرها وتنشأ في مكان مناسب جوار منزل الأسرة المستهدفة.
-2 تزويد الأسرة بأدوات وأواني حلب وجمع الحليب بصورة نظيفة ومناسبة.
-3 يلزم على من تنطبق عليهم الشروط في المستوى الثاني (الطرف الثاني) وهي الشروط الموضحة في النقطة الأولى أن يتحلى كل منهم بالمسؤولية المهنية والأخلاقية والقانونية بتحمل المسؤولية التنفيذية للمشروع من خلال أعلى درجة من الاهتمام بالتربية والعناية بالقطيع وفقاً للأساليب التي سيتدرب عليها بالإضافة الى المعرفة بالطرق والأساليب العلمية والعملية للصناعات التحويلية المرتبطة بمخرجات التربية من حليب وألبان وصوف وجلود ولحوم وهي أمور بسيطة على أهميتها وسهلة المعرفة والتعلم والممارسة.
-4من خلال ممارسة نشاط الرعي والتربية للأبقار والأغنام في إطار المشروع الذي سيكون نشاطاً إضافياً لأية أسرة ريفية زراعية، ومن خلال هذا النشاط سيكون هناك مخرجات متنوعة هي أحد الفوائد الاقتصادية المباشرة للمشروع والتي سنوضحها في سياق المقال، حيث ستتوزع الفائدة على كل من الممول والمنفذ وقطاعات الإنتاج الوطنية والاقتصاد الوطني أيضاً.
مرحلة الإنتاج الأولي(الخام)
من خلال ممارسات التربية والرعي والعناية السليمة سيكون هناك مخرجات لهذا المشروع أهمها الحليب كمخرج يومي يمكن تحويله إلى منتجات كثيرة العمليات التصنيعية) مثل اللبن والزبادي والجبن والقشطة واستخراج الزبدة وتحويلها الى سمن بلدي مطلوب ومرغوب بشكل كبير لأهميته الغذائية والصحية.
هذه المخرجات وغيرها مثل الصوف والجلود واللحوم والسماد هي التي تجلب العائد الاقتصادي للأسرة المنتجة وللمؤسسة الممولة.
مرحلة الإنتاج التحويلي (العمليات التصنيعية):
يمكن أن تباع مخرجات الإنتاج الخام بشكل مباشر، ويمكن أن تمتلك الأسرة المنتجة تقنية انتاج وتصنيع بسيطة تمكنها من تنوع مبيعاتها بشكل زبادي أو أجبان (الجبن التعزي)مثلاً، أو زبدة وسمن بلدي أو قشطة وغيرها من الصور الإنتاجية التي سيكون لزاماً على الجهات المساندة تدريب وتأهيل الأسر المنفذة كما وضحنا سابقاً.
مرحلة التسويق
هذه المرحلة بسيطة وتعتمد على كل من الأسرة المنتجة بكفاءة وجودة وغزارة انتاجها الأولي والتصنيعي والجهات الممولة بتخصص منفذ بيع في مقر المؤسسة للبيع النقدي أو الآجل لمنتجات المشروع والجهات المساندة والميسرة متمثلة بالوزارات المعنية من زراعة وصناعة وعمل وإدارة محلية وجهات مساندة مثل المؤسسات والمنظمات الفاعلة كمؤسسة بنيان على سبيل المثال كلها يمكن أن يكون لها دوراً مؤثراً من خلال توفير وفتح قنوات تسويق مناسبة ومشجعة للمنتجين والممولين.
النتائج المأمولة من المشروع: سنتناولها من عدة جوانب كما يلي:
الأسرة المنتجة: نتوقع أن تشمل الفائدة للأسرة المنفذة للمشروع(المنتجة) الاستفادة من مخرجات المشروع اليومية والشهرية والسنوية من خلال تحسن المستوى المعيشي للأسرة بتوفر مصدر للتنوع الغذائي المهم (بروتين حيواني) ومصدر اقتصادي يزيد مستوى الدخل من خلال بيع منتجات هذا المشروع، بالإضافة الى مساهمة المشروع في تحسين المستوى المعرفي والعملي في التربية السليمة والعناية المناسبة بحيوانات المزرعة بما يضمن زيادة وغزارة وجودة إنتاجية تلك الحيوانات من الالبان واللحوم..
الجهة الممولة: يمكن أن يمثل هذا المشروع أحد الواجبات والالتزامات الاجتماعية للمؤسسة نحو البيئة والمجتمع المحيط بها، بالإضافة إلى الفائدة المباشرة من خلال نصيب الجهة من منتجات المشروع للاستهلاك أو البيع من خلال منافذ البيع التي ذكرناها سابقاً أو بحسب اعتبارات تناسب الجهة نفسها.
التنمية الريفية: سيكون لها أثراً مباشراً من خلال التحسين الكمي والنوعي لقطاع الإنتاج الحيواني ومنتجاته من جانب ومن جانب آخر خلق فرص عمل جديدة وتشجيع وتأهيل سلاسل انتاج مهمة في هذا القطاع وبشكل غير مباشر نقل المعرفة السليمة والمناسبة التي حصلت عليها الأسر المنتجة إلى بقية الأفراد والمجتمع الريفي في تلك المنطقة من خلال تقليد تلك المعارف والممارسات بغرض الحصول على فائدة مشابهة.
انتهى الجزء الثاني المخصص لهذا العدد من صحيفة “اليمن الزراعية”.
في العدد القادم سنوضح الدور الفاعل والمحفز لقطاع الضرائب في جانب التنمية الزراعية وما يخص رؤيتنا هذه، ونوضح أيضاً النطاق الاقتصادي الواسع الذي يمكن تعميم الفكرة(الرؤية) من خلاله للوصول إلى مستوى طموح من التنمية الاقتصادية بعون الله.. انتظرونا