صحافةمقالات

سبل النهوض بالصناعات الغذائية المحلية وتحقيق التكامل الاقتصادي


(قراءة من منظور المدخل التكاملي من أجل الاستدامة)

الدكتور/ يوسف المخرفي

تعد الزراعة والمنتجات الزراعية والاكتفاء الذاتي منها ووفرتها وتحقيق فائض منها أولى الخطوات في مسار التصنيع والنهضة الصناعية؛ بل والزراعية معاً؛ وتشكل الصناعات الغذائية تلك الخطوة الأولى في مسار الصناعة التحويلية؛ أي بتحويل المنتجات الزراعية إلى منتجات صناعية.
وتتوقف الصناعات الغذائية في جدواها وإمكانيتها والنهوض بها على مدى وجود وفرة وفائض في المنتجات الزراعية؛ لكي لا تقع في موضع المنافسة مع عملية الاستهلاك المباشر لتلك المنتجات؛ أو اللجوء لاستيرادها من الخارج؛ مما يفقد الصناعات الغذائية الجدوى والإمكانية وفرص النهوض بها.
ولقد أكدت جميع التجارب العالمية على أن تحقيق نهضة على صعيد الصناعات الغذائية من شأنه تراكم رؤوس الأموال اللازمة للتوجه نحو الصناعات الثانوية والكمالية والثقيلة؛ فما من بلد في العالم حقق صناعات ثانوية وكمالية وثقيلة قبل أن يتجاوز خطوة الصناعات الغذائية والتي تندرج أيضاً ضمن الصناعات الخفيفة.
تجدر الإشارة إلى نجاح تجارب محلية يمنية في مجال الصناعات الغذائية، وفي مقدمتها تجارب مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركائه، ومصانع العاقل وأولاد ثابت وغيرها؛ لكن جميع تلك التجارب كانت موجهة بقوى السوق والمنافسة والقوة الشرائية حول أصناف معينة، دون وجود خطة استراتيجية لتوجيهها وتوسعتها واكتمالها وزيادة قدرتها على منافسة المنتجات المستوردة، وتعظيم قيمتها في نفوس المواطنين من خلال البرامج التعليمية والإعلامية؛ بل والدينية.
وفي ذات عام قام أحد رجال الأعمال بالقاهرة بتوريد حليب الشاي الممتاز؛ فتسابق الجميع إلى شرائه؛ وفي مقدمتهم المسؤولين ورجال الأعمال؛ فهناك اعترفوا بجودته؛ وربما دفعهم الحنين إلى الوطن؛ بل والافتخار بالمنتج الوطني إلى ذلك.
وفي تجربة أخرى قدم رجال أعمال أردنيون لزيارة اليمن والاطلاع على فرص الاستثمار فيها؛ فقام أحدهم بزيارة سوق مذبح للخضروات والفواكه سابقاً؛ فلمح في عجالة وفرتها ووجود فائض منها؛ فقرر تقديم طلب استثماري بإنشاء ثلاجة مركزية لاستيعابها وتحقيق توازن سوقي بين العرض والطلب لها؛ وبالتالي تحقيق توازن سعري طوال العام، وتحقيق أمن غذائي للمواطنين يناسب قدرتهم الشرائية وغير متقلب الأسعار؛ لكن هوامير الفساد أعاقوا تحقيق حلمه كمستثمر، والنتيجة خسارة الاقتصاد الوطني لتلك الفرصة ذات التجربة.
بالتالي نصل من كل ما سبقت الإشارة إليه إلى أهمية تفعيل الصناعات التحويلية المباشرة للمنتجات الزراعية إلى منتجات صناعية غذائية محلية؛ بحيث يتم تحويل الفائض من الطماطم إلى صلصة؛ والبطاطا إلى بطاطس، والموز إلى حليب الموز، والخوخ إلى شرائح الخوخ الذي نستورده من أقصى شرق الأرض في الصين، وهكذا بالنسبة لبقية المنتجات الزراعية إلى ما يحولها لصناعات غذائية محلية.
بالتالي يمكن القول إن مجال الصناعات الغذائية يعد سوقاً كبيراً لتسويق المنتجات الزراعية؛ واستيعاباً للفائض منها، وحلاً لمشكلة هلاكها ورميها في صناديق القمامة، ومن هنا يتحقق التكامل بين القطاعين الزراعي والصناعي واستدامة النهوض بهما.
وهذا كله يقودنا نحو التوصية بضرورة إنشاء شركة اكتتاب ومساهمة وطنية لإنشاء ثلاجة مركزية لاستيعاب المنتجات الزراعية مباشرة دون تعريضها لأشعة الشمس المباشرة والرياح كما هو حاصل في الأسواق الشعبية البدائية، والذي يفقدها قيمتها الغذائية واستدامتها لفترة زمنية مناسبة، وكذا تفعيل البرامج التعليمية والإعلامية والدينية من أجل تنمية الولاء والانتماء للوطن من خلال ممارسات تشجيع الصناعات الغذائية المحلية وتفضيلها عما سواها، وتوجيه رجال المال والأعمال نحو الاستثمار في فرصها البكر المتاحة لتحقيق أمن غذائي مستدام ومستقر ومتوازن.

*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة ٢١ سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى