◄ العبدلي: العدوان تسبب في الإضرار بـ 20 ألف هكتاراً من الأراضي الزراعية ونزوح 120 ألف نسمة
◄ الشرعبي: الآثار السلبية للنزوح تبدأ بالفرد مروراً بالمجتمع وصولاً إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني
أسرف العدوان الأمريكي السعودي في استهداف المدنيين خلال سنوات الحرب ما ضاعف من أعداد النازحين قسراً في اليمن.
في أكبر تجمع نازحين أقيم في العراء على مستوى الشرق الأوسط، يحتضن مخيم النازحين في مديرية عبس بمحافظة حجة عشرات الآلاف من الأسر، التي أصبحت تحت خط الفقر، وتعيش تلك الأسر بعد قطع المنظمات الدولية امداداتها أوضاعاً مأساوية بعد سعيها إلى فرض واقع اتكالي، وإنساني تأويه طرابيل النزوح يتسول على أبوابها.
اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي
ومن منطلق حقيقة أن الإنسان اليمني الذي قارع تحالف العدوان وانتصر يأبى إلا العيش بعزة وكرامة، لما عرف عنه من تاريخ حضاري يرتبط بقيم العمل وصناعة الوجود وعشق الأرض، بات واجباً إعادة توطين النازحين ضمن أولويات حكومة تصريف الأعمال والحكومة التالية في قراهم ومديرياتهم والعودة لزراعة أراضيهم خصوصاً في ظل الموقف اليمني المقارع لأمريكا والأخذ بكل الاحتمالات في خلال هذه المعركة.
وبادرت السلطة المحلية في محافظة حجة عملية التواصل والتنسيق مع الجانب العسكري الذي بدوره هيأ الظروف لعودة النازحين بالتعاون مع السلطة المحلية في مديرية عبس وحرض.
ويقول عضو مجلس النواب عن مديرية حرض علي العبدلي إن أهمية الأرض والزراعة وضرورة عودة النازحين إلى منازلهم والاعتماد على أنفسهم دفعنا إلى استصلاح الأراضي الزراعية في المديرية وفي بعض عزل مديرية حرض المجاورة، فعاد الأهالي إلى بيوتهم ومزارعهم بما يقارب 7 آلاف نسمة بعد أن كانوا قد نزحوا منها بسبب قصف الطيران السعودي والتصعيد الذي كانت تشهده تلك المناطق من قبل العدوان”.
ويؤكد العبدلي أن العدوان تسبب في الإضرار بـ20 ألف هكتاراً من الأراضي الزراعية ونزوح 120 ألف نسمة، مشدداً على ضرورة اهتمام المزارعين بأراضيهم، “فالأرض عز والتخلي عنها مهانة” يستطرد في إشارة لأهمية الأرض والزراعة.
ويواصل العبدلي: “أهمية الجمعيات التعاونية الزراعية متعددة الأغراض التي يجب أن ينتسب لها المزارعون العائدون والانخراط في الزراعة والمساهمة في الجمعيات لتتمكن من قيادة العمل التنموي في المديرية”، مشيراً إلى أهمية التوعوية والاحتياجات التدريبية المناسبة لتمكين بقية النازحين والمهاجرين للعودة، وتجتمع أدوار الجهات المختصة وذات العلاقة والسلطات المحلية لوضع خطط مناسبة مع شركاء العمل في ضوء أهداف وسياقات موحدة.
شتات وعطاء منقطع
أبو منصور (55 عاماً) هو رب أسرة نزح من عزلة من الفج بمديرية حرض، بدوره يحدثنا عن حياته قبل النزوح ويقول :”كنت مثل أي إنسان يعيش في الريف؛ أحرث أرضي وأزرعها ثم أسقيها ولا يأتي غبش الصباح منذ عرفت نفسي إلا وأنا في مزرعتي، كما أهتم بأولادي، وظللت مصدر رزقنا الأول والأخير حتى جاء العدوان وتسبب في نزوحنا عن مسقط الرأس، موضحاً- بألم وحزن- كيف أصبحت أسرته مشردة في أكثر من منطقة “تشردت أسرتي في شفر والخميس وفي مديريات بعيدة لم نعد نلتقي وكل واحد فينا يبحث عما يسد رمق جوعه، بعد أن كان يجمعنا العمل في مزارعنا وبيوتنا في قرانا”.
وأضاف: “أذاقتنا حياة المخيمات سواد البعد عن قرانا، وعشنا الفراغ والاتكال على الغير.. لم يناسبنا ذلك الواقع المأساوي، عدنا لمزارعنا وعادت أرواحنا للحياة واليوم بدأنا باستصلاح أراضينا الزراعية وحراثتها.
أما العائد هجيني الحداد فيسرد قصة التشرد التي عاشها بالقول: “كنا نعيش في أحسن حال ولدينا الأغنام والماعز وفي مزارعنا نأكل وننتج ونبيع، وبعد نزوحنا بسبب العدوان من بين أراضينا ومزارعنا رأينا الشؤم وعايشنا الضنك، كان المخيم الذي يؤويني وأسرتي ما يلبث سوى شهرين ثلاثة بالكثير حتى تظهر عليه الثقوب ويبدأ في الاهتراء بسبب حرارة الشمس”، واصفاً النزوح بـ “حياة البؤس الذي لا ينقطع”.
ويستطرد قائلاً: “للذين لم يعودوا حتى الآن لمزارعهم وقراهم: انتظاركم لقوت المنظمات زائل وأرضكم ومزارعكم باقية منذ الآباء وحتى الأبناء والأحفاد.
ويقول النازح عبدالله عبده جنيد إن الأيادي العاملة التي تعطلت بسبب العدوان والنزوح وكانت رافداً للاقتصاد الوطني، عادت في الأشهر الأخيرة للعمل والإنتاج، وأن المزارع الذي ترك دياره بسبب النزوح، عاد يزرع الحبوب والبقوليات بمختلف أنواعها، ويدعو الذين تسمروا في المخيمات العودة قبل فوات الفرصة إلى أراضيهم وزراعتها قبل أصابتها بالتصحر.
وأوضح “بدأت المنظمات تمنح النازحين من سلة غذائية إلى اثنتين، ثم فجأة توقفت عن منحتها، هذه الأسباب وغيرها جعلتنا ندرك أهمية مزارعنا وقرانا، وقررنا أن الموت بين مزارعنا وتحت سقوف بيوتنا أشرف وأعز لنا من حياة الاتكالية والعيش على اغاثات المنظمات”.
وللنزوح أضرار
ويعتبر الخبير الاقتصادي نبيل الشرعبي النزوح واحداً من العوامل التي تؤثر سلباً، وبشكل كبير على واقع الفرد والمجتمع والبلد بنظامه الاجتماعي والاقتصادي والإنساني، فعلى مستوى الفرد يتسبب النزوح في فقدانه لمدخراته وأدواته التي تعب لأعوام في جمعها، ناهيك على إنهاء خططه الحياتية التي كان حرص على وضعها لتنظيم شؤون حياته وعمله واستقراره الحالي والمستقبلي.
ويضيف الشرعبي: أن الكثير من النازحين يفقدون وظائفهم جراء النزوح القسري وتتحول حياتهم إلى كارثة، ما يخص الفئة العمرية ما بين 6 إلى 18 عاماً، حيث يتسبب النزوح لهم بفقدان فرص التعليم والحياة الآمنة ويعرضهم للخطر، وينعكس ذلك على مستقبلهم سلبا”.
ويواصل الشرعبي “يمتد الأثر السلبي من الفرد إلى الأسرة التي تتحول من حياة الاستقرار إلى حياة الشتات، يقابلها فاقة ومعاناة وفقدان ممتلكاتها و… إلخ، وهو ما يسبب تفكك الأسرة ويؤثر على أفرادها نفسياً، وهذا يضاعف من معاناة الأسر والتي تقف عاجزة عن دفع هذا الضرر الذي داهمها جراء النزوح”.
ويصل الأثر السلبي للنزوح، بحسب الخبير الاقتصادي، من الأسرة إلى المجتمع النازح، الذي من المحتمل أن يواجه حياة بائسة وضياع حاضر ومستقبل أجياله، مما ينجم عنه تبعات اقتصادية كارثية تتعمق أكثر فأكثر كلما طالت فترة النزوح، فمن فقدان الممتلكات إلى خراب الأراضي الزراعية إلى فقدان فرص العمل والمشروعات الاقتصادية الخاصة وتعطل طاقة الإنتاج جراء نزوح الأيادي العاملة والخبرات وارتفاع نسب البطالة، ويقابل ذلك ارتفاع للأسعار في مناطق المجتمعات المستضيفة للنازحين، والاضطرار إلى البناء العشوائي وطمر الأراضي الزراعية وارتفاع عمليات حفر آبار المياه العشوائية وغير ذلك، ما يقود إلى انهيار منظومة اقتصاد الفرد واقتصاد الأسرة واقتصاد المجتمع، ويصبح الجميع مستهلكاً، ويمتد تأثير ذلك إلى اقتصاد البلد ككل، حيث تتآكل قاعدة الإنتاج والزراعة والتنمية