قراءة مقارنة بالتجارب العالمية المعاصرة
الدكتور/ يوسف المخرفـي
تعد الثقافة بجانبيها المادي والمعنوي، بترابطهما الحتمي نتاج تراكم تجارب حضارية ضاربة في أعماق التاريخ، في ماضيه وحاضره ومستقبله، وبالتالي تعد الثقافة الزراعية في اليمن بجانبيها المادي والمعنوي مدرسة حضارية عالمية قدمت للعالم تجارب عديدة مادية ومعنوية، وكانت موضوعاً للبحث والدراسة في المراكز البحثية العالمية حتى وقت قريب.
ويعد مصطلح الزراعة Agreeculture العلمي ذي صلة وثيقة بالثقافة Culture فحينما اكتشف الإنسان الزراعة ومارسها استقر في مواطنه وارتبط بالأرض وبنى مدماك ثقافة مادية ومعنوية، بدلاً عن حياة الجمع والالتقاط والتنقل والترحال التي لم تبن ثقافة وحضارة للإنسان.
كما أن مصطلح الزراعة يتضمن زراعة النبات، وتربية الحيوان في آن واحد؛ نظراً للترابط الوجودي والتكاملي بينهما، فالنبات يعتمد في غذائه على مخلفات الحيوانات بصورة غير مباشرة، التي تشكل مادة عضوية مغذية للتربة، فالنبات، أما الحيوان (المواشي والدواجن) حصراً فتعتمد على النبات في غذائها على ما يقدمه لها الإنسان منه، فهي لا تشاركه في الثمار والمحاصيل، ولكنها تعتمد- كما عودها على مخلفات النبات في غذائها، فمثلاً يتخذ من أعواد سيقان الذرة(القصب) غذاء لها، وعلى أوراقها التي ينتزعها المزارع من ساقها قبل يبسها(الشرف) ليحتفظ به غذاء لها خلال فصل الشتاء، كما يتخذ من سنابلها المفرغ منها حبوب الذرة (الشعتف) غذاء للحيوان(الأبقار- الاغنام- الحمير- الجمال) وكذا من سيقان نباتات(القمح- الشعير- العدس- البقوليات) التي يسميها(التبن) اعلافا شتوية لها..
كما كان المزارع اليمني يخصص جزءاً من أراضيه الزراعية لزراعة البرسيم (القضب) كمكمل غذائي للمواشي، ويبحث عن نبات (البورة) المغذي لها بطريقة العصر في الأراضي والجبال.
هذا ناهيك عن تخصيص قشور الفواكه ومخلفات الأكل لتغذيتها والتي يخلطها بالماء لزيادة شهيتها لتناولها، بالإضافة إلى الذهاب بها إلى المراعي الطبيعية للرعي في أوقات فتح محاجر المراعي الطبيعية.
والنقطة الأخيرة بالغة الأهمية، إذ أثبتت دراسات علم نفس الحيوان وعلاقة حالته النفسية بإدرار الأبقار للحليب مثلاً، أنه يزداد إدرارها للحليب عندما تذهب بعيداً عن الحقل للرعي، ولتأكل من خشاش الأرض إلى جانب ما يقدم لها، وأن حبس المواشي في الحقول والزرائب يقلل من كمية إدرارها للحليب، أي كان مستوى الاعلاف وكميتها التي تقدم لها.
ولكن ظهرت مشكلة خبر بها المزارع اليمني، وهي أن ترك الأبقار طليقة خارج الحقول قد يؤدي إلى تناولها لفضلات الإنسان التي تعد وسطاً ميكروبياً خطراً على صحتها، وعلى صحة الإنسان؛ لذا لابد من فرض رقابة على رعيها من قبل المزارعين والرعاة تحديداً، بالإضافة إلى التقاطها للأكياس البلاستيكية وهضمها، وبالتالي تتجمع في أحشائها، علماً أنها غير قابلة للتحلل في باطن التربة، أو أحشاء الحيوان، فتتجمع وتنمو حتى تشتد لفتها، فتهدد حياة الحيوان وتتسبب في نفوقه.
هذا بالإضافة إلى الأثر السلبي لتناول الحيوانات لأعلاف ملوثة بالسموم والمبيدات الحشرية والتي تتجمع في أنسجتها، وتسبب تسمماً غذائياً للإنسان الذي يتناول حليبها أو لحومها، بالإضافة إلى التسبب في نفوق الحيوانات.
ولا ننس تأثير غاز الفلور الملوث للأعلاف، والذي يتسبب في تآكل أسنان المواشي، لتصبح فيما بعد غير قادرة على عصر وهضم ما يقدم لها من أعلاف، أو ما تتناوله من حشائش المراعي الطبيعية.
جدير بالذكر أنه نظراً لاتساع سهل تهامة الغرب، الذي يعد سهلاً حاراً وجافاً تنعدم عند ظروفه الطبيعية حشائش وأعشاب المراعي الطبيعية، فقد خصص المزارع التهامي أجزاء كبيرة من أراضيه الزراعية لزراعة الأعلاف (العجور) كغذاء للثروة الحيوانية الهائلة التي يمتاز بغناه منها (أبقار وأغنام).
أما الدواجن المنزلية، فيقدم لها بعض الحبوب وبقايا الأكل كغذاء لها، ونحذر مما يقدم للدواجن في مزارع الدواجن من أعلاف ممزوجة بزيت السمك، ليسهل عليها هضمها، وبالتالي نموها السريع، أو تجميع بقايا مخلفات المجازر من أعضاء الحيوانات، وتجفيفها وتقديمها للدواجن، لتصبح في حكم الحيوانات المحرمة، وينتج عنها انتشار مرض سرطان سداسي كروم القاتل، من هنا نطالب بتفعيل الرقابة الصارمة على آليات إنتاج أعلاف الدواجن تلك والاستفادة من خبراتنا الحضارية والتجارب العالمية المعاصرة لتحقيق هدفنا وغايتنا السيادية الوطنية في تنمية الثروة الحيوانية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها.
*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية