إرشاداتصحافة

الـزراعــة المستدامــة للبــن اليمنــي

رؤية وسيناريوهات مستقبلية

الدكتور/ يوسف المخرفـي

تتضمن العقيدة الثورية لثورة ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م العديد من العناصر والمكونات والأطر الدفاعية والأمنية والزراعية وبرنامج التغيير الجذري الشامل للأطر الهيكلية والإدارية والاقتصادية؛ بالتالي يمكن القول إنها ثورة وطنية شاملة لجميع مناحي الحياة؛ لكن قدر لها أن تواجه جبهات ارتزاق مؤازرة للعدوان الخارجي السعودي أولاً؛ ثم تلاه عدوان أمريكي- بريطاني حالياً.
وعلى الرغم من ذلك؛ إلا أنها أعطت الجوانب الدفاعية والأمنية والزراعية أولوية مطلقة، كان للثورة الزراعية نصيب الأسد منها، وللبن اليمني حظ كبير فيها؛ فتم إعلان يوم ٣ مارس من كل عام يوماً وطنياً للبن اليمني؛ ويعد ذلك بمثابة ثورة زراعية للبن متقدة ومتجددة ومستمرة الفعالية طوال العام وبصورة مستدامة؛ بالإضافة إلى إنشاء وحدة البن- التي أثبتت نجاحاً منقطع النظير رغم حداثة نشأتها-ضمن هيكلية اللجنة الزراعية السمكية العليا لتكون قضية البن قضية سيادية بحتة.
وتتطلب الزراعة المستدامة للبن اليمني مثل هكذا مناسبة متجددة الفعالية؛ لاستعادة تراث مادي للأجداد كدنا أن نفقده رغم كونه أمانة لابد أن نحتفظ بها، وننقلها بدورنا لأحفادنا من الأجيال القادمة.
كما تتطلب الزراعة المستدامة للبن التمسك بالنهج التقليدي للأجداد في غرسه وزراعته وجني محصوله وتجفيفه وتخميره؛ للمحافظة على أصالته وجودته المتميزة والفريدة؛ دونما التوصية باتباع التقنيات والتكنولوجيات الحديثة التي قد تفرغه من محتوياته (الجودة والتميز) ليصبح بُناً عادياً كسائر أنواع البن العالمية الأخرى.
هذا التراث الأصيل الذي ورثناه لابد من تضمينه في المناهج التعليمية والبرامج الجامعية؛ لنقله بصورة علمية رسمية إلى النشء والشباب؛ لضمان استدامة البن اليمني الذي يعد جزءاً أصيلاً من تراثنا الحضاري وهويتنا اليمنية.
كما تتضمن الزراعة المستدامة للبن اليمني وضعه على مسار التنمية المستدامة من النواحي البيئية والاجتماعية والاقتصادية؛ فعلى صعيد البعد البيئي ينبغي المحافظة على أسس عناصر علم بيئته من حيث الموقع والارتفاع ونوعية التربة والحرارة والإشعاع الشمسي المعتدلين، وكذا تكييفه بصورة علمية ميدانية تجريبية مع ظروف تغير المناخ، خصوصاً فيما يتعلق بالاحتباس الحراري.
ومن الناحية الاجتماعية لابد من تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى لمجتمع نحو الزراعة وممارساتها؛ فاليد الزراعية يد الخير والبركة والإنتاج والعطاء والاكتفاء الذاتي، وكذا تنمية الوعي الحكومي باقتصاد البن الذي وصل الوعي بزراعته وتجارته إلى مصاف العالمية قديماً وحديثاً.
أما الناحية الاقتصادية؛ فتتطلب خطة زراعية شاملة للبن اليمني من حيث التخصص في الإنتاج، واعتبار أن مد صغار المزارعين بعشرين شتلة بن يمثل مشروعاً صغيراً منتجاً يوفر فرص عمل للمزارع وأسرته؛ فتتحول إلى أسرة منتجة تخرج من دائرة البطالة والفقر وسوء التغذية إلى دائرة الدخل والإنتاج والقوة الشرائية.
إن التوسع في زراعة البن دونما رؤية واضحة وخطة استراتيجية تحد من التوسع في زراعة القات، وتتبع سياسة الحمائية من منافسة البن الخارجي الذي قد يعاد فتح أبواب اليمن له بفعل سيلان لعاب شهية تحصيل جماركه وهو أمر غير مقبول ولا مدروس؛ بل ويشكل خيابة للبن واليمن من باب التشدد الإيجابي.
كما ينبغي أن تتضمن الخطة المستقبلية إدارة جميع العمليات الإنتاجية؛ ليس من خلال منح المزارعين شتلة البن فحسب؛ بل وبرامج الإرشاد الزراعي وتقنيات مقاومة الآفات، والتأكيد على النهج التقليدي للأجداد في عملياته الزراعية والإنتاجية، خصوصاً تسويقه بنجاح لضمان عدم تعرض المزارع للخسارة داخلياً، والبحث عن أسواق خارجية مستدامة.
وقال قائل: إننا نتوسع في زراعة البن اليمني؛ فنقول: إن التوسع بدون رؤية واضحة متكاملة قد يؤدي إلى إغراق السوق الداخلية، في ظل عدم تسويقه خارجياً؛ فيتعرض المزارعون لخسائر فادحة؛ وقد تستمر وتيرة التوسع غير المخطط، فتغرق السوق الخارجية؛ فتنخفض أسعاره العالمية: فيفقد البن اليمني اقتصاده في كلتا الحالتين؛ بالتالي يفقد عناصر زراعته المستدامة.
من هنا لا يمكن اعتبار معيار التوسع بشكل فضفاض وفوضوي معياراً للنجاح؛ بل التوسع المدروس والمخطط هو المستدام.

*أستاذ العلوم البيئية والتنمية المستدامة المساعد بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى