تقاريرصحافة

زراعـة القـات فـي اليمــن

خطـر يهدد خطط الاكتفـاء الذاتـي

زادت خلال السنوات القليلة الماضية التوسع في زراعة شجرة القات على حساب زراعة المحاصيل الأساسية، وبات التوسع في القات خطراً يهدد خطط الاكتفاء الذاتي ويقضم يوماً بعد آخر المساحات الزراعية الواسعة، لا سيما تلك المخصصة لزراعة الحبوب في محافظة الجوف، والقيعان الخصبة في ذمار في ظل غياب الاجراءات الحازمة للتعامل مع هذه الظاهرة الخطيرة.

اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي

ويقول المزارع محمد قاسم من محافظة عمران، إن توسعه في زراعة القات على حساب المحاصيل الأخرى كان سببه سهولة تسويق القات والعوائد المجزية في زراعته، حيث “لا يأخذ القات وقتاً طويلاً حتى يحين قطافه، وأجد ربحاً مريحاً طوال السنة من هذه النبتة”.
ويوضح أنه عندما يزرع محاصيل القمح والبقوليات يحتاج تسويقها إلى طريقة مناسبة، وهذا الأمر، بالنسبة له ليس يسيراً، لكنه يرى أن القات يمكن بيعه سريعاً وتسويقه بسهولة.
ويزيد المزارع قاسم: ” القات يسوق نفسه دون عناء ولا تكلفة”.
وتدفع غياب الاستراتيجيات التسويقية الفعالة العديد من المزارعين بمحافظتي الجوف وعمران ومحافظات أخرى، إلى التوسع في زراعة القات في المساحات الزراعية التي كانت مخصصة سابقاً لزراعة القمح والذرة الشامية.
هذه الظاهرة تفاقم أزمة الأمن الغذائي وتعرقل خطط الاكتفاء الذاتي، وتزيد من استنزاف المياه بالطرق العشوائية.
وفي هذا السياق يقول المزارع علي صالح من محافظة الجوف إن مزارعي القمح بدأوا في التوجه إلى زراعة القات بدلاً من القمح، بسبب اللامبالاة من الجهات الرسمية والوعود التي لا تنفذ بشأن دعم المزارعين، وضعف التسويق لمحاصيل القمح.
ويشير إلى أن المزارعين تعرضوا للغش من قبل المؤسسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب التي زودتهم ببذور رديئة الموسم قبل الماضي، ما أدى إلى التراجع في زراعة القمح هذا الموسم وتوجه بعض المزارعين نحو زراعة القات.
ويوضح مدير مكتب الزراعة في محافظة الجوف الأستاذ مهدي الظمين الجهود المبذولة في التصدي للتوسع في زراعة القات بالمحافظة.
ويقول:”نسعى من خلال تعزيز الزراعة المستدامة وتوفير الدعم للمزارعين لاعتماد ممارسات زراعية مستدامة وتنويع مصادر الدخل الزراعي، وتعزيز الوعي بأهمية تنوع المحاصيل، وتوفير تقنيات الزراعة المبتكرة، وتحسين التسويق والتوزيع للمحاصيل الاستراتيجية.
ويواصل: “نفذنا حملات إرشادية وتوعوية للمزارعين لاستغلال أراضيهم في زراعة المحاصيل الأساسية من الحبوب وغيرها من المحاصيل النقدية ونعمل على توعيتهم بخطر التوسع في القات.
ويبين أن الجهات المعنية قدمت مذكرات عن خطورة التوسع في شجرة القات آخرها مذكرة لوزير الزراعة توضح التحديات القائمة وضرورة ايجاد حلول والتنسيق مع وزارة الداخلية لمنع دخول شجرة القات إلى المحافظة ولم نحصل على رد.
ويؤكد الظمين على أهمية التعاون بين الحكومة والمجتمع المحلي والمزارعين في المحافظة معاً للوصول إلى حلول شاملة تحقق التوازن بين زراعة القات وزراعة المحاصيل الاستراتيجية.

ثلث ميزانية الأسرة تنفق على القات

ويتوجه العديد من المزارعين في محافظة حجة إلى التوسع في زراعة القات، حيث حفروا الآبار العشوائية التي وصلت في إحدى مناطق المحافظة إلى سبعة آبار في مساحة أقل من نصف كيلومتر مربع.
ويقول أحد مزارعي القات في محافظة حجة إن توفر المياه من البئر الارتوازية التي يمتلكها، جعلته يتوسع في زراعة مساحات واسعة، تقدر بعشرات الأمتار، ويرغب هذا المزارع في تحسين وضعه المادي، لكنه يعترف أن زراعة هذه النبتة تستنزف كميات كبيرة من المياه.
وتشير دراسة إلى أن عدد أشجار القات المزروعة في اليمن وصل إلى قرابة 350 مليون شجرة حتى 2019، يتركز أغلبها في محافظات صنعاء وعمران وحجة، وأن المساحة المزروعة تجاوزت الـ167 ألف هكتار، ويبلغ الإنفاق السنوي على القات نحو 12 مليار دولار، بحسب تقديرات حكومية.
تستهلك شجرة القات في اليمن أكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه، حيث يُروى الهكتار الواحد بكمية تقديرية تصل إلى 6،279 مترًا مكعبًا، ويفوق استهلاك القمح بـ4،252 مترًا مكعبًا لكل هكتار، بحسب الدراسة.
ويقول مدير المركز الوطني للحد من أضرار القات المهندس محمد العريقي إن نحو 30 ٪ من ميزانية الأسرة يتم انفاقها على القات، وهذه النسبة تتجاوز ما تنفقه الأسرة على الأغذية الأساسية، والأدوية وغيرها من ضروريات الحياة.
ويواصل: «الوقت المكرس لمضغ القات يومياً يمثل خسارة فادحة في الدخل المحتمل، وهناك العديد من الآثار الصحية الضارة الناجمة عن استهلاكه.
ويوضح أن زراعة القات تمثل مصدراً مهماً من مصادر الدخل في الريف، فقد انصرف الناس عن أشكال الأنشطة الاقتصادية الأخرى التي تعتبر أكثر استدامة في المناطق الريفية، ناهيك عن أن الرقعة المزروعة بالقات توسعت وتضاعفت أكثر من 13 مرة في العقود الثلاثة الماضية، مما أدى إلى إزاحة البن والفواكه والخضروات والذرة الرفيعة وغيرها من المواد الغذائية القابلة للتصدير، وبالتالي فقد انخفضت الصادرات من المحاصيل النقدية الأخرى في الوقت الذي زادت فيه الواردات الغذائية، نتيجة لتغلغل وسيطرت القات على الاقتصاد الريفي.
ويرى أن أكثر من ثلث المياه الجوفية المستخرجة تستخدم لزراعة القات، وفي هذا الإطار يعتبر القات هو السبب الرئيسي لنضوب المياه الجوفية، وتزايد انتشار أمراض السرطان بسبب بقايا مبيدات الآفات، مشدداً على ضرورة وضع استراتيجية وطنية للحد من التوسع في زراعة القات وأضراره، بالنطر للمخاطر الكبيرة التي يمثلها القات والتوسع في زراعته، لابد من وضع استراتيجية وطنية بدءاً من وضع بدائل لزراعة القات بما في ذلك إدخال محاصيل ذات قيمة عالية وأنشطة أخرى لسبل العيش تعتمد على الأنشطة الزراعية، المحاصيل البديلة التي يمكن أن تحل محل القات في كل المناطق الزراعية المختلفة بصفة عامة.
ويضيف أنه لابد من المهم أيضاً أن تكون مثل هذه المحاصيل البديلة مقاومة للجفاف وتتطلب قدراً قليلاً من المياه، وتوفير الشتلات للمحاصيل البديلة للمزارعين، وتشجيع إدخال التكنولوجيا الحديثة لزيادة الإنتاج والإنتاجية للمحاصيل والماشية، ثم امكانية البدء في تنفيذ أي خطة تشمل التخلص من زراعة القات في أراضي الأوقاف وأملاك الدولة تشجيع صناعات و تجهيز منتجات البدائل الزراعية، وتطوير آليات لتسويق المنتجات الزراعية البديلة، وإيجاد أسواق محلية، بالإضافة لتكثيف التدابير والإجراءات لحفظ وتجميع المياه، وتغذية المياه الجوفية، وتحسين إدارة المياه المجمعة في السدود، وإدخال تكنولوجيا الري الحديثة في زراعة القات
وتصميم برامج متكاملة للتوعية فيما يتعلق بالمياه.
ويتابع العريقي:”ضرورة تشكيل مجموعة العمل للقيام بحملات توعية في وسائل الاعلام بالتنسيق مع وزارات الصحة، الإعلام، والشباب والرياضة، والأوقاف والإرشاد الديني، وكذلك مع اللجنة الوطنية للمرأة، وتطوير وسائل بديلة للتسلية والترفيه وتعزيز الخدمات المجتمعية، وإدراج موضوع القات ضمن المناهج الدراسية.

توسع مخيف

وفي السياق نفسه يقول مدير الارشاد الزراعي بمكتب الزراعة في محافظة ذمار المهندس فؤاد الكوري: “بعد أن كانت شجرة القات محصورة على المدرجات والوديان والأراضي الهامشية كمنافس قوي لمحصول البن نراها الآن تأخذ طريقها في التوسع والانتشار في القيعان الزراعية الخصبة كما هو ملاحظ في قاع جهران وقاع بكيل وقاع السواد وقاع الحقل وقاع شرعة وغيرها من القيعان الزراعية الخصبة التي كانت تزدان بمحاصيل الحبوب والخضار”.
ويشير إلى أن هذا التوسع سيكون على حساب هذه المحاصيل ومهدداً زراعة الخضار ومحاصيل الحبوب، وخصوصاً القمح بالانحسار مما سيكون له انعكاسات خطيرة جداً على المحاصيل الزراعية وعلى التربة والمياه الجوفية والصحة وغيرها من جهة وعلى المستهلك والاقتصاد الوطني من جهة أخرى.
ويبين أن المساحة المزروعة بالقات في محافظة ذمار وفقاً لكتاب الاحصاء الزراعي للعام 2021م تقدر بحوالي (16) ألف هكتاراً، فيما شهدت المساحة المزروعة بمحاصيل الحبوب والخضار في المحافظة تراجعاً بنسبة 1,1 ــــ 2% عما كانت عليه في الأعوام السابقة وذلك بسبب استغلال وتوسيع زراعة القات في القيعان على حساب هذه المحاصيل .
ويذكر أن متوسط الاحتياجات المائية لمحصول القات في المحافظة يبلغ حوالي (779) مم/ السنة وأن القات يستهلك ما نسبته 30% من إجمالي الاستخدامات المائية والتي قدرت بحوالي 3200مليون لتر مكعب من المياه خلال العام 1995م.
و فيما كان العجز المائي خلال العام ذاته قد وصل إلى 700مليون لتر مكعب فمن المتوقع أن يكون العجز المائي للمياه قد ارتفع إلى حوالي 920 مليون لتر مكب خلال العام 2005م خصوصاً مع التوسع في زراعة القات وبالذات في القيعان الرئيسية الخصبة إذ يستهلك القات ما نسبته 10ــ 30% من الماء مقارنة مع محاصيل الحبوب والفواكه والخضار.
أسباب التوسع
ويرجع المهندس فؤاد الكوري أسباب توسع زراعة القات في القيعان الخصبة بمحافظة ذمار إلى ما يلي :

  • الاقبال المتزايد على شراء الأراضي من قبل مزارعي القات الوافدين الى هذه القيعان الزراعية من المحافظات الأخرى ومن أبناء المديريات الأخرى داخل المحافظة.
  • ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية بحسب رأى المزارعين (الديزل، بذور البطاط.. الخ) ويسود اعتقاد لدى مزارعي القات في جهران أن القات يستهلك بين (1 ــ 1.5) برميل من مادة الديزل في السنة، بالمقارنة مع محصول البطاط الذي يستهلك بين (2ــ 3) براميل ديزل في الموسم، وهذا يعني أن القات يستهلك ماء أقل من محصول البطاط غير مدركين العواقب الوخيمة التي ستطرأ على المخزون المائي للقاع في حال التوسع بزراعته كما حصل لقاع رداع.
  • غياب برامج التوعية والإرشاد بالآثار السلبية والمخاطر الناجمة عن التوسع بزراعة القات سواءً أكان ذلك من خلال وسائل الإعلام المعروفة أو أجهزة الإرشاد الزراعي وخطباء المساجد ومدارس التعليم والجامعات.
  • عدم تفعيل التشريعات والقوانين الخاصة بمنع زراعة القات في المناطق الزراعية الخصبة وبالذات في القيعان.
  • عدم وجود سياسة تسويقية زراعية تضمن التخصص والتكثيف للمحاصيل الزراعية.
  • عدم وجود سياسة تسويقية ناجحة لمنتجات المحاصيل والخضار تضمن محصول المزارع على الأرباح وتجنبه الخسائر الفادحة جراء تراكم الإنتاج وعدم تصريف الفائض من المنتج بالإضافة إلى ضعف الإرشاد الزراعي في هذا الجانب نتيجة شحة الإمكانيات وعدم وجود مخصصات مالية تضمن تحرك الجهاز الإرشادي وإعداد البرامج وتنفيذها في هذا الجانب.
  • الإقبال المتزايد عاماً بعد عام على تعاطي القات بين الشباب والنساء وحتى الأطفال.
  • العائد الاقتصادي الكبير من محصول القات بالمقارنة مع المحاصيل الأخرى سواءً كان ذلك من القطفة الواحدة أو خلال العام
  • تحمل القات للعديد من العوامل الطبيعية المؤثرة على زراعة المحاصيل الأخرى وخصوصاً الآفات والأمراض المنتشرة والتي تصيب المحاصيل وخصوصاً الخضار والفاكهة.
  • تطور تقنيات وشبكات التسويق الخاصة بالقات مكنت من تسويقه وسهولة الحصول عليه من المتعاطين بصورة طازجة وسريعة.

الإجراءات المتخذة

ويستعرض مدير الارشاد الزراعي أهم الإجراءات المتخذة في هذا الجانب ومنها:

  • نبه مكتب الزراعة ومنذ العام 2005م الى خطورة توسع زراعة القات في القيعان الزراعية على حساب المحاصيل الاستراتيجية وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذه المشكلة.
  • تشكيل لجان مشتركة من مكتب الزراعة والبحوث الزراعية والسلطة المحلية بالمحافظة والمديريات لدراسة الظاهرة ووضع الحلول المناسبة.
  • تخصيص برامج ارشادية توعوية بخطورة توسع زراعة القات في القيعان الزراعية.
  • تفعيل قانون منع زراعة القات في القيعان الزراعية بالتعاون والتنسيق مع الجهات الأخرى ذات العلاقة الا انه وللأسف لم نجد روح التعاون والمبادرة حيال هذا الموضوع.
  • قلع بعض حقول القات بالتعاون مع الجهات الأمنية والسلطة المحلية بالمحافظة كما حصل ذلك في قاع شرعة بمديرية عنس.
    ويتطرق الكوري إلى بعض الحلول الواجب اتخاذها للحد من زراعة القات في ذمار ومنها:
  1. تكثيف برامج التوعية والإرشاد لظاهرة انتشار زراعة القات في القيعان والتعريف بمخاطر وسلبيات زراعة القات وآثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال وسائل الإعلام المتعددة.
  2. إدخال مادة القات كمادة دراسية ضمن المناهج التعليمية في الجامعات لتوعية الشباب بأضرار ومساوئ زراعة القات وتعاطيه.
  3. تفعيل التشريعات والقوانين المنظمة لزراعة وتداول القات في الأراضي الهامشية وعدم زراعته في القيعان الرئيسية الخصبة.
  4. ضرورة تكاتف وتعاون الجهات الأمنية وتشديد الرقابة وفرض الرسوم والضرائب المختلفة على مزارع القات المنتشرة في القيعان.
  5. تشجيع زراعة المحاصيل المنافسة والبديلة ذات المردود الاقتصادي العالي كالبن في الوديان والسهول والمرتفعات وعباد الشمس والزيتون وغيرها من المحاصيل الإستراتيجية الأخرى في القيعان
  6. إيجاد قنوات تسويق وسياسة تسويقية واضحة تضمن تسويق الفائض من المنتجات الزراعية وخصوصاً الخضار من خلال الجمعيات ومراكز التسويق وتشجيع الاستثمار في هذا الجانب والبحث عن أسواق خارجية شريطة مراعاة الجودة.
  7. عمل وثيقة شرف من قبل وجهاء وعقال والشخصيات الاجتماعية ومصادق عليها بتجريم زراعة القات في القيعان الزراعية وبيع الأراضي لهذا الغرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى