تقاريرصحافة

رمز للثقافة المجتمعية وصراع من أجل البقاء

الملبوسات الشعبية التهامية

تعد كسوة العيد من أهم المتطلبات التي تحرص على شرائها الأسرة التهامية، والتي ترتبط بالعادات والتقاليد الشعبية في الثقافة التهامية، وواحدة من أهم عناصر كسوة العيد هي الملبوسات الشعبية، التي تتميز بتصاميمها الفريدة والملونة تعكس مدى ارتباط الإنساني التهامي بهويته وثقافته وانتمائه لمجتمعة اليمني.

اليمن الزراعية – أيوب أحمد هادي

وفي هذا الشأن يقول الأستاذ علي مغربي الأهدل، وهو كاتب وباحث في شؤون الموروث الشعبي إن اهتمام الناس بلبس الثياب الجديدة، وشرائها وارتدائها في الأعياد والمناسبات عادة قديمة ومتجذرة في المجتمعات، ولها دلالات ثقافية تعبر عن الفرحة والبهجة الجماعية للناس على اختلاف أعمارهم وفئاتهم، ولكل مجتمع ثقافته في اللباس وعادته وتقاليده في ارتداء تلك الملابس واقتناء أشكالها التي تتلاءم مع ثقافته.
ويشير إلى أن المجتمع اليمني بحكم تداخله واندماجه ببعضه البعض أصبح له ثقافة عامة ومتقاربة يغلب عليها الطابع اليمني العام، وهذا معروف وواضح من خلال السمات اليمنية العامة للزي الذي يرتديه اليمنيون، موضحاً أن تهامة كغيرها من المجتمعات اليمنية غلب على أبنائها مؤخراً الميل نحو شراء الملابس ذات الطابع اليمني في شكلها العام ،ومع ذلك يظل لها ثقافتها الخاصة في زيها الشعبي والمسألة في مثل هذه المناسبة تعود لذوق الفرد وميوله في شراء نوع الثياب التي يرى أنها تليق به وتناسبه في إطار الذوق العام وثقافة المجتمع .
ويؤكد الأهدل أن هذه الأيام تشهد الأسواق الشعبية في المدن والمديريات إقبالاً كبيراً على شراء الملابس استعداداً لقدوم العيد، غير أن الظروف تلعب دوراً كبيراً في حجم هذا الإقبال، ومع ذلك يحاول الناس قدر الإمكان توفير الملابس الجديدة لأفراد عائلاتهم وبخاصة الأطفال الذين تمثل فرحتهم بالحصول على ثياب جديدة هي الفرحة الرئيسية في هذه المناسبة.
ويشير إلى أن السوق يكتظ بمختلف أنواع اللباس والأزياء التي تمثل مختلف أنواع ثقافة المجتمع اليمني وفي مقدمتها الأزياء التهامية التقليدية.
ويوضح أن الملبوسات الشعبية التهامية تتميز بجودتها العالية واهتمامها بالتفاصيل الدقيقة، والتي تُصنع هذه الملبوسات بمواد ذات جودة عالية، مما يجعلها مريحة للارتداء ومتينة وتدوم لفترة طويلة، كما تتميز الملبوسات التهامية بتصاميمها الفريدة والملونة، التي تعكس الذوق الشعبي وتجسد الثقافة والتراث التهامي.
ويواصل الاهدل: إذا نظرنا إلى الأزياء التهامية اليمنية سنجدها معبرة عن مقدار الحس الإبداعي في المجتمع، وسندرك مدى البعد الجمالي والدلالي وسنجد أنفسنا مبهورين أمام جزئية ثقافية هي بحد ذاتها ثقافة متعددة ومتنوعة لها فلسفتها ورموزها ودلالاتها الخاصة في المجتمع المحلي.
ويضيف: يرتبط الزي التهامي الشعبي بثقافات متوارثة منذ القدم، وهو زي يتفرد به أبناء تهامة ويميزهم عن غيرهم من أبناء البيئات المحلية الأخرى، كما يختلف لون وشكل الزي من منطقة إلى أخرى داخل تهامة نفسها، وهناك من مكونات الزي ما هو محلي الصنع ومنها ما هو مستورد.
أنواع الملابس
ويذكر الأهدل أشكال الزي التهامي، يمكن تقسيم الملابس التقليدية للرجال في تهامة بحسب المنطقة الجغرافية، شمال الحديدة، وجنوبها، ففي المناطق الواقعة جنوبي الحديدة (مناطق الزرانيق) يرتدي الناس ملابس تضم المكونات التالية:
أ. العكاوة
ب. الفنيلة
ج.المعجر
د. المقطب “المعوز”
ه. النصلة أو الخنجر
بينما في مناطق شمال الحديدة (مثل عبس وتهائم حجة) فتتكون ملابس الرجال من:
أ. الكوفية الخيزران (منها الطويلة والقصيرة).
ب.الجاكيت أو اليلق أو الفانيلة.
ج. الحزام، البعض يستخدم المعجر والبعض يستخدم الكمر الحجازي.
د.المصنف: وهو قطعة قماش بيضاء أو بنية اللون ممزوجة بالحضاية في الأطراف.
ه‍. الخنجر “الجنبية”.
وهناك أيضاً ملابس خاصة ببعض الفئات الاجتماعية، فمثلاً “القضاة” في المدن الحضرية (زبيد، المراوعة، بيت الفقيه، مدينة الحديدة) يرتدون الزي المتعارف عليه بهذه الفئة ويتكون من:
أ. الكوفية البيضاء أو العمامة.
ب. الجاكت.
ج. اللحاف، ويوضع على الكتفين.
د. الثوب الأبيض أو الفانيلة والمقطب.
ه‍. الخنجر (النصلة) وعادة ما يكون مصنوعاً من الفضة.
ملابس مستوردة
ويزيد الأهدل قائلاً: “من الملاحظ أيضاً أن السوق مليء بأزياء وملابس دخيلة على ثقافة المجتمع وهناك البعض يغتر في هذه الأنواع من الزي، ويقبل على شرائها، ورغم تأثير هذه الملبوسات على الثقافة الشعبية ومنافستها لها إلا أن الإقبال ونسبة التأثير لا توازي نسبة الميل العام نحو شراء الأزياء ذات الطابع الثقافي اليمني أو الشعبي لكل منطقة من المناطق والمجتمعات اليمنية.
جودة عالية
وفي السياق نفسه يقول الأستاذ عبدالرحمن خالد يحيى الحوكي أستاذ في الجامعة الوطنية ومهتم بشؤون التراث الشعبي: “بالنسبة للملبوسات الشعبية في تهامة لها مميزات خاصة في فخامتها وجودها وألوانها ولها طابع خاص ومتميز عن باقي الملبوسات، وأنا هنا أتحدث عن المعوز الذي يمثل الطراز الأصيل لتهامة، وأيضاً من صناعة أياد تهامية عبر مهنة الحياكة”.
ويشير إلى أن مدينة الحوك سميت بهذا الاسم نسبة إلى الحياكة التي كانت تزدهر فيها فقد كانت تحتوي على مجموعة كبير من معامل الحياكة وكان يطلق على معمل الحياكة بالعرين كناية ببيت الأسد.
ويضيف: “يحاك في العرين المعاوز سواء الملونة او ذات اللون الصافي وقطع قماشية كانت تزين بها البيوت قديماً.”
ويقول: “أتذكر قديماً كان في باب مشرف يوجد مكان يسمى سكت الحوك وكان يتجمع فيه أصحاب الحياكة ويعرضون المعاوز والأقمشة المحاكة وهذا المكان يرتاده الكثير من المتسوقين من عموم محافظة الحديدة.
وإلى جانب المعاوز تميزت محافظة الحديدة بصناعة الكوافي والتي من أشهرها الخيزران فكان في الأعياد أو المناسبات المختلفة لا تكاد تشاهد إلا اللبس الشعبي سواء الكبار أو الصغار.
خطر الملابس المستوردة
ويشير عبد الرحمن إلى أن العقد الماضي بدأت تدخل إلى أسواقنا اليمنية الملابس الخارجية والموضات الغربية، فأثر ذلك بشكل ملحوظ على شراء الملابس الشعبية حتى أصبح الكثير من الشباب لا يطيق لبس الملابس الشعبية بعد أن كانت لباساً رسمياً أضحت رمزاً تذكارياً لدى الكثير.
وفي بعض المناطق قد لا تجد الزي الشعبي التهامي الا في الأعراس يلبسه العرسان كرمز للهوية التهامية.
معاوز مقلدة
من جانبه يقول أحمد الوصابي عامل حياكة: “أنا أعمل في حياكة المعاوز منذ أكثر من ٢٠ سنة فوجدت أن الحياكة المحلية تعتمد بشكل كبير على الخيط، فهناك خيوط هندية وخيوط إندونيسية ودخلت في الأيام الأخيرة خيوط كورية، وأفضلها من حيث النعامة هو الاندونيسي، ومن حيث القوة والمتانة الهندي.
ويضيف: “كنا في مثل هذه الأيام لا نتوقف عن العمل نعمل ليلاً ونهاراً من أجل تغطية موسم العيد، ولكن عندما بدأت المعاوز المقلدة تدخل إلى أسواقنا بدأ الطلب يقل على طلب المعاوز الأصلية التي تفوق الخارجي المقلد بالنسبة للجودة والسماكة.
ويضيف: “مما أثر على المعاوز المحاكة يدوياً قيام بعض التجار بإدخال مكائن طباعة تقوم بطباعة معاوز أشكالها مقاربة لما نقوم نحن بحياكته وبقدرة إنتاج أسرع وينزلوها في السوق بأسعار أقل، وهذا ما قلل من إقبال المواطنين على شراء الملابس المحاكة يدوياً؛ لأن سعرها مقارنة بشغل المكائن مرتفع نوعاً والمواطن لم يعد يبحث عن الجودة وإنما يبحث عن المظاهر فقط.
الحفاظ على الملابس الشعبية
من جانبه منير باحويرث صاحب محل ملابس في الحديدة يقول: “منذ أكثر من سبع سنوات وأعمل في بيع المعاوز، فوجدت أن المعاوز الشعبية التهامية تعكس تقاليد وثقافة أبناء تهامة لأنها تمتلك ألواناً مخصصة تميزها عن مختلف الملبوسات”.
ويلبس المعوز التهامي مع الجرم الأبيض أو الشميز إلى جانب الخنجر التهامي والقمر فتلاحظ الشخص حينما يلبس هذا اللبس له نظرة مميزة بين أوساط المجتمع، وهذا يدل على براعة اختيار التصميم لدى من يعملون في مجال الحياكة.
ويواصل: “نحن في محلنا نبيع المعاوز التهامية الأصلية وبالرغم من أسعارها المرتفعة إلا أن الاقبال عليها كان متزايداً خصوصا في مواسم الأعياد، وحين بدأ التجار يدخلون معاوز هندية بنفس التصاميم وبسعر أرخص وجودة أقل بدأ الإقبال يقل على شراء المعاوز الأصلية وهذا ما قد يؤثر على من يعملون في مهنة الحياكة وأصحاب المعامل لأنهم في الأخير هم المتضرر الكبير من هذا التصرف أما نحن فنبحث عن الربح في الأول والأخير، فعلى الدولة أن تعمل على تنظيم عمليات الاستيراد ومنع أي منتج خارجي قد ينافس المنتج الوطني”.
ويستعرض با حويرث أهمية الحفاظ على التقنيات التقليدية في صناعة الملبوسات الشعبية التهامية وذلك للأسباب التالية:
-1تعكس الملبوسات الشعبية التهامية التقنيات التقليدية التي تم توارثها عبر الأجيال، وبالحفاظ على هذه التقنيات، يتم الحفاظ على التراث الثقافي والتقاليد الشعبية، وتُعزز الهوية الثقافية للمجتمع التهامي.
-2يلعب قطاع صناعة الملبوسات الشعبية التهامية دورًا مهماً في تعزيز الاقتصاد المحلي، بالاعتماد على التقنيات التقليدية، يتم توفير فرص عمل للحرفيين والعمال المحليين، وتعزيز الاستدامة الاقتصادية للمجتمع.
-3الابتكار والتطوير: بالرغم من التمسك بالتقنيات التقليدية، يمكن لصناعة الملبوسات الشعبية التهامية أن تتطور وتبتكر في نفس الوقت. يمكن دمج التقنيات التقليدية مع التقنيات الحديثة والتصاميم الجديدة، لإنتاج قطع فريدة ومبتكرة تلبي تطلعات السوق وتجذب الزبائن.
-4 الاستدامة البيئية: غالبًا ما تعتمد صناعة الملبوسات الشعبية التهامية على مواد طبيعية مثل القطن بالاحتفاظ بالتقنيات التقليدية، يمكن الحفاظ على استخدام الموارد الطبيعية بشكل مستدام، وتقليل الأثر البيئي لعملية الإنتاج.
-5 الربط بين الأجيال من خلال تعلم وتطبيق التقنيات التقليدية، يتم تمرير المعرفة والمهارات من جيل إلى آخر، يتم تشجيع الشباب على الاهتمام بصناعة الملبوسات الشعبية التهامية وتعلم التقنيات التقليدية، مما يعزز التواصل بين الأجيال ويساهم في استمرارية الصناعة.
من جانبه يشير عبدالله مكرم صاحب مركز عريس تهامي بمديرية الحوك بالحديدة إلى أن الكثير من الشباب أصبحوا يقبلون بشكل كبير على الظهور بالزي التهامي في أعراسهم ويضيف نحن في مركز عريس تهامي نقدم لهم كل ما يحتاجون لذلك ونوفر لهم الزي التهامي الأصيل ، ويقول يقبل إلينا زائرون من خارج محافظة الحديدة لأخذ صور باللبس التهامي مع الديكورات التهامية المتوفرة لدينا وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن اللبس الشعبي له نظرة خاصة ومميزة خصوصا في الأعراس والمناسبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى