حياكة المعاوز التقليدية في تهامة
في قرى ومدن تهامة الساحلية، يحتفظ الكثير من أبنائها بتقاليد وحرف شعبية عريقة، منها حياكة المعاوز.
ويعود تاريخ حياكة المعاوز في تهامة إلى مئات السنين، وهذه الحرفة تُمارس بشكل تقليدي من قِبَل الحرفيين كجزء من نمط الحياة اليومية.
وأصبحت هذه الحرفة مهنة للكثير من الرجال والنساء في تهامة، وهي الآن تلعب دوراً مهما في حفظ الهوية التهامية، وتعزيز الاقتصاد المحلي.
اليمن الزراعية -أيوب أحمد هادي
وفي هذا السياق يقول أيمن العربي صاحب معمل حياكة في مديرية الحوك بمدينة الحديدة إن مهنة الحياكة عرفها أجدادنا منذ القدم، وكانوا قديماً يصدرون المعاوز التهامية “الحوكي” إلى مختلف البلدان، وإلى جنوب السعودية (صبيا، جيزان، بيشه، وإلى الحبشة)، مشيراً إلى أن استمرار ممارسة حياكة المعاوز يُعد جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية لتهامة.
ويؤكد العربي أن حياكة المعاوز ليست مجرد حرفة يدوية، بل هي رمز ثقافي واقتصادي له أهمية كبيرة للمنطقة، وهو ما يتطلع إليه أبناء تهامة، من أجل الحفاظ على هذه التقاليد الراسخة وتطويرها لضمان استمراريتها في المستقبل.
ويواصل: «مهنة الحياكة التقليدية تتركز في محافظة الحديدة، وبشكل كبير في مديرية الحوك التي كانت حاضنة للكثير من المعامل، بالإضافة إلى منطقة “منظر ومديرية بيت الفقية”
ويشير إلى أن ما يميز المعاوز التقليدية جودتها العالية؛ نظراً لدقة التصنيع، واختيار الخيوط الجيدة من النوع المتين والمصنوعة من القطن الخالص، وكذلك الاحتراف في التصميم من خلال اختيار الألوان الجذابة، وتنسيقها بشكل يتناسب مع جميع الأذواق.
مصدر دخل
ويضيف العربي” وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية، لا تزال حياكة المعاوز تشكل مصدراً ًرئيسياً لدخل عشرات الأسر في تهامة، والتي تقوم بنسج المعاوز يدوياً، وبيعها في الأسواق المحلية، وهذه الحرفة اليدوية توفر دخلاً مستداماً للأسر وتساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي.
ويوضح أن تصاميم المعاوز تكون بشكلها المتعارف عليه، وفي بعض الأحيان يضطرون إلى ابتكار تصاميم جديدة، وهناك ما يتم تصميمة بحسب طلب الزبون نفسه، أما بالنسبة للقدرة الانتاجية للمعمل الخاص به فتصل إلى إنتاج ثلاثين معوزاً شهرياً، وهذا في نظره إنتاج جيد مقارنة ببعض المعامل في الحديدة.
أنواع المعاوز
ويتطرق العربي إلى أنواع المعاوز التهامية التي يتم إنتاجها، ولكل نوع من هذه الأنواع تصميمة الخاص، ومنها «الدامات وهو الشكل المتعارف عليه داخل المدينة، ومن الأنواع التي كان يعتمد عليها في التصدير كـ (المجنس، المعين، السُبلة، العِكاس، المخامل، اللحاف» وكل منطقة في تهامة لها ألوانها وأشكالها الخاصة.
خطر الاندثار
ويقول العربي: “على الرغم من محافظة بعض المناطق على هذه الحرفة التقليدية الهامة إلا أنها تواجه خطر الانقراض والاندثار بسبب ارتفاع أسعار المدخلات من الخيوط، حيث يتم إستيرادها من الهند ومن اندونيسيا، وفرنسا والصين، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، وكذلك محدودية الحرفيين في هذه المهنة، وعدم رغبة الكثير من الشباب في امتهانها، بسبب تدني أجور العاملين فيها.
ومن الصعوبات والتحديات التي تواجه هذه المهنة أيضاً دخول بعض المعاوز الخارجية المقلدة للمعاوز المحلية من الهند، والصين، حيث تباع بأسعار منافسة للأسعار المحلية، مما يتسبب في عزوف الكثير عن شراء المعاوز المحلية، بسبب ضعف القدرة الشرائية.
ويضيف: “نحن نعتمد في تسويقنا لمنتجاتنا بشكل كبير على علاقاتنا العامة مع مختلف الشخصيات التي تفضل ارتداء المعاوز التهامية و -بفضل الله- لدينا إقبال كبير، ونطمح للوصول إلى شريحة أكبر من الناس من أجل الحفاظ على هذه المهنة واستدامتها.
ويطالب العربي الجهات المسؤولة العمل على إيجاد حلول جذرية للحفاظ على هذه المهنة، وفتح معاهد تدريب لهذه الحرفة، وتشجيع الشباب على تعلمها، وكذلك إيجاد حلول لتحسين أسعار المعاوز المحلية بما يتناسب مع مختلف الشرائح المجتمعية .
ويشير إلى أن ايجاد حلول للتحديات والصعوبات التي تواجهها حياكة المعاوز التهامية سيعمل على استمراريتها في تهامة وتعزيز مكانتها الاقتصادية والثقافية.
جودة عالية
بدوره يقول سليمان الوصابي، وهو صاحب محل بيع الملابس والمعاوز : « من خلال بيعنا لمختلف المعاوز نحرص كل الحرص على أن تكون المعاوز التهامية موجودة بشكل بارز في محلنا، ولكن نواجه صعوبة في بيعها وتسويقها، بسبب ارتفاع أسعارها، ومن يقوم بشرائها هم أشخاص محدودون من ذوي الدخل العالي، أما محدودي الدخل، فيفضلون شراء المعاوز المقلدة بسبب رخص أسعارها، فقيمة معوز تهامي أصلي قد تعادل قيمة ثلاثة معاوز خارجية.
ويؤكد الوصابي أن جودة، ومتانة المعاوز التهامية هي الأعلى جودة، والأكثر ضمانة، ويظل محافظاً على هذه الجودة لسنين طويلة دون أن يتغير لونه، أو حتى خامته الصناعية، وهذا ما يميزها عن غيرها من المعاوز.
من جانبه يؤكد المواطن بناء حسين بناء وهو من أبناء مدينة القطيع على أهمية المعاوز التهامية، وارتباطها الوثيق بالهوية الثقافية اليمنية.
ويقول: “هذه الحرفة التقليدية تمثل إرثاً ثقافياً عريقاً يعود لقرون طويلة، وتشكل أحد مكونات الثقافة المادية والفنية اليمنية.
ويشير إلى أن المعاوز المحلية التهامية تتميز بفرادتها وجودتها العالية مقارنة بالمستوردة؛ لأنها مصنوعة يدوياً و من خامات طبيعية، مما يمنحها صفات فريدة في الملمس والتصميم والقوام، وهو ما يجعلها تتفرد عن المنتجات الصناعية.
ويضيف: “ومن الناحية الاقتصادية، تعد المعاوز المحلية التهامية أكبر تكلفة مقارنة بالمستوردة،مما يجعل الاقبال عليها محدوداً نوعاً ما، ولكن اقتناؤها يساهم في دعم الحرفيين المحليين، وتنشيط الاقتصاد المحلي.
ويشير إلى أن المعاوز التهامية تبرز قيمتها في المناسبات الدينية والاجتماعية كالأعياد والأعراس، فهي ترتبط بالتراث والعادات والتقاليد اليمنية، وتضفي طابعاً خاصاً على هذه المناسبات، واستخدامها في هذه الأحداث له دلالات رمزية وثقافية عميقة.
وينصح المواطنين بالمحافظة على هذا التراث، وتشجيع استخدام المعاوز المحلية التهامية، فهي ليست مجرد منتجات استهلاكية، بل تمثل هويتنا وتاريخنا وثقافتنا الأصيلة التي ينبغي علينا المحافظة عليها وتعزيزها.
العربي: حياكة المعاوز ليست مجرد حرفة يدوية، بل هي رمز ثقافي يرتبط بهوية وتاريخ تهامة
الوصابي: المعاوز التهامية تمتاز بجودتها ومتانتها
حسين: قيمة المعاوز التهامية تبرز في المناسبات الدينية والاجتماعية.