تم إدخال المبيدات الممنوعة والمحظورة عن طريق التهريب من السعودية والأردن
تمتلك اليمن مقومات زراعية كبيرة، لو تم استغلالها بشكل أفضل لتحقق الاكتفاء الذاتي، من أهمها الموقع الاستراتيجي، وبيئتها الصالحة لزراعة مختلف المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى بيئات مناسبة لزراعة معظم المحاصيل على مدار السنة، وهذه ميزة لا توجد الا في اليمن.
غير أن قطاع الزراعة في اليمن تعرض وعلى مدى العقود الماضية لهجمات ممنهجة من قبل العدو الأمريكي، بهدف منع تنمية هذا القطاع الحيوي ودوره في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الزراعة.
اليمن الزراعية – محمد الكامل
ويظهر حجم المؤامرة التي تحدق بالقطاع الزراعي منذ الثمانينات من خلال اعترافات خلية التجسس الأمريكية الإسرائيلية، والتي كشفت عنها الأجهزة الأمنية، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها سفارة العدو الأمريكي في صنعاء بالتنسيق مع النظام السابق وحكوماته المتعاقبة، عن سعي وزارة الزراعة الأمريكية وجهاز المخابرات لعرقلة ومنع أي خطوات واتجاه نحو الإنتاج الزراعي والتقدم، إلى جانب العمل على نشر الأوبئة والحشرات في المحاصيل الزراعية المثمرة.
وبالاستناد إلى اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية، فقد عملت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في اليمن على نشر الأوبئة والحشرات في المحاصيل الزراعية المثمرة، تحت عنوان مكافحة الحشرات، حيث تم استجلاب عشرات الآلاف من شتلات الفاكهة المطعمة، والموبوءة بالأمراض الحشرية والآفات الزراعية إلى محطة جدر، ما عمل على انتشار الآفات على المحاصيل من نفس العائلة النباتية، وتسببت في أضرار جسيمه وكبيرة، بحسب مختصين في وزارة الزراعة.
وتفيد اعترافات شبكة التجسس أن الأمريكيين عملوا على جلب أصناف مختلفة من الشتلات الموبوءة الأمريكية والإسرائيلية عبر مشروع تحسين البستنة، وهو ما أثر على المحاصيل التي كانت موجودة في البيئة اليمنية قبل الاستيراد، واستوطنت الآفات في البيئة اليمنية، كونها دخيلة على بلادنا.
ويعد الجاسوس عامر الأغبري واحداً من أهم الأشخاص الذين جندتهم الاستخبارات الأمريكية للعمل لصالحها، وأوكلت إليهم الكثير من المهام لتدمير القطاع الزراعي في اليمن، والذي أكد ضمن اعترافاته أنه سافر إلى الولايات المتحدة، والتقى بمسؤولي الوكالة الأمريكية للتنمية، وتم اطلاعه على برنامج متكامل لإكثار الحشرات القشرية ونشرها بهدف إعاقة زراعة القمح في اليمن، وهو ما أكدته تصريحات المسؤولين في وزارة الزارعة، حيث لاحظوا التأثر الكبير في عملية انتاج القمح، وانخفاض المحصول السنوي للقمح بشكل كبير بعد اصابته بحشرات المن، وذبابة التفرع ، وخنفساء البادرات، وحشرة الجدمي ، وتفحم القمة ، والأصداء.
لم يقتصر الأمر على استهداف محصول القمح الاستراتيجي والهام للاقتصاد اليمني، فمن ضمن اعترافات الجاسوس الأغبري أنه تم نشر حشرات “البق الدقيقي” و “المن الأسود” بموافقة بعض المختصين في وزارة الزراعة إبان عهد الرئيس الخائن علي عبد الله صالح.
وفي هذا الشأن يؤكد مختصون في وزارة الزراعة الحالية انهم خلال زيارتهم لمناطق زراعة اللوزيات في جبل اللوز خولان الطيال، بتاريخ 2/7/2024، أفاد أحد المزارعين أن حشرة “المن” انتقلت إلى محصول اللوزيات؛ بسبب قيام أحد المزارعين بإدخال شتلت “فرسك” مصابة بحشرة “المن الأسود والقيام بزراعتها إلى جانب اللوزيات، لافتاً إلى أن منذ ذلك الحين تم إصابة اللوزيات بحشرة “المن”، علماً بأن هذه الحشرة سجلت في اليمن على اللوزيات عام 1993م .
مؤامرة من عقد الثمانينيات
وعلى امتداد سنوات كثيرة، عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع مخابراتها وشبكة جواسيسها على الأرض على استهداف القطاع الزراعي.
لقد تكبد المزارعون خسائر جسمية، جراء الآفات الزراعية الحشرية، والفطرية التي أدخلها جواسيس أمريكا وإسرائيل.
أبرز الخسائر كانت في محاصيل الحبوب، والخضروات والفواكه، والأعلاف للمزارعين، كما شكلت خطراً جسيماً على الأمن الغذائي، والثروة الحيوانية، وعائدات التصدير في عموم الجمهورية بطريقة مباشرة، وكلفت الدولة ملايين الدولارات في شراء المواد، والمنتجات الزراعية، لسد الفجوة التي أحدثتها الآفات الحشرية التي أدخلها جواسيس أمريكا واسرائيل.
ومنذ بداية الثمانيات، وحتى عام 2010 م، عقدت أمريكية اتفاقيات مع اليمن، وقدمت مساعدة مشروعاً في مجال التنمية الزراعية المستدامة، حيث عملت في مجال البستنة، والزراعة المطرية، والمشروع الآخر في مجال الغابات من خلال القضاء على التصحر، وبناء الحزام الأخضر في المرتفعات والسهول الساحلية الغربية والشرقية والصحراء في وادي سيئون بحضرموت، وسيحوت، وغيرها، والصحراء، حتى حدود شرورة بالمهرة.
واستغلت أمريكا هذا المشاريع في تدمير البنية التحتية الزراعية اليمنية، حيث تم تشكيل شبكة الجواسيس لجمع المعلومات عن البيئة في القطاع الزراعي بشكل عام، مستغلين ضعفاء النفوس من الخلية التجسسية في العديد من الجوانب الزراعية بهدف تدمير البيئة الزراعية في الجمهورية.
وعملت الشبكة التجسسية على عدة مسارات، منها ما يلي:
-1 في الثمانينات، قاموا بإدخال شتلات أشجار التفاح، وبكميات كبيرة، وقاموا بزراعتها عبر مشروع المساعدات للتنمية الزراعية البريطاني، الذي كان بعمل في محافظة ذمار، حيث ثم زراعة الشتلات من منطقة “قاع شرعة” “باب القلك” و حتى مدينة البيضاء، وبقية هذه الشتلات، وأصبحت أشجاراً حتى صار أعمارها ثمان سنوات، و لم تحمل كل شجرة سوى بحبة إلى ثلاث حبات فقط، مما تسبب في خسائر فادحة للمزارعين، و في تربية هذه الأشجار، وتلويث التربة بالآفات الحشرية والفطرية والبكتيريا، ولا تزال الآثار حتى يومنا هذا.
-2 تم إدخال شتلات تفاح أمريكي، وتم غرسها في مزارع البحوث في العرة، ومزارع التموين العسكري في المطار، والمحجل، وسنوان في الجوف وصعدة، وهذه الشتلات كانت موبوءة بالعديد من الآفات الحشرية الخطيرة التي تعيش تحت سطح التربة منها الجعال، وكلب المولح، وأمراض أعفان الجذور الذبول، حيث أدت إلى القضاء على أشجار التفاح والحمضيات (البرتقال، واليوسفي، والليمون) وخاصة في محافظة صعدة وصنعاء.
-3 تم إدخال آفات الحشرات الخطيرة، منها دودة حشرة الابيط المتوسط التي تصيب أشجار المانجو، والتفاح، والعنب، وكذلك أمراض التربة، والذبول الوعاء، وحشرات التربس، والبق الدقيقي، والمن القطني، والحشرات القشرية بنوعيه، ونشرها في محافظات (صنعاء، وحجة، والحديدة، وتعز)، وغيرها، وهذه أدت إلى تدمير كل أشجار الفاكهة، وانتقالها إلى محاصيل الخضروات، والحبوب، كما أدت إلى هروب كبار المزارعين، واستخدام كميات كبيرة من المبيدات، و قلة الدخل.
-4 ادخال حشرات “المن الأسود” في المرتفعات الشمالية، والتي تصيب أشجار اللوزيات والتفاح وغيرها.
-5 ادخال حشرات الدبوس، والدودة، أو سوسة النخيل الحمرة على أشجار النخيل.
-6 ادخال حشرات حافرة الطماطم.
-7 ادخال حشرات دودة الحشد الخريفي التي تصيب محاصيل الحبوب، منها الذرة الشامية وغيرها.
-8 كانت أمريكا تنقل الآفات عبر الشتلات، أو عبر طرود بريدية، أو حقائب دبلوماسية، فعلى سبيل المثال تم ادخال “المن الأسود” عبر ظروف عن طريق السفارة الامارتية؛ كون الاصابة ظهرت في البداية في حوش السفارة.
-9 ادخال المبيدات الممنوعة والمحظورة دولياً، عبر السعودية، ومن الأردن، عن طريق التهريب لبعض تجار المبيدات، تحت أسماء الزعيم، والفاخر، ومنها لا زالت محجوزة في مخازن الغابات والجمارك.
إجراءات وقائية
لقد كانت المؤامرة كبيرة جداً، والمخطط رهيب لتدمير القطاع الزراعي في اليمن، ولولا جهود الأجهزة الأمنية والمخابرات، لظلت أمريكا عن طريق جواسيسها يواصلون تدمير القطاع الزراعي في اليمن.
وللحد من آثار هذا الاستهداف قام المختصون في الادارة العامة لوقاية النبات وبعض الباحثين بقسم المبيدات والآفات بكلية الزراعة بجامعة صنعاء والهيئة العامة للبحوث الزراعية بإجراء الدراسات، حول الآفات الحشرية، والفطريات المسببة لأعفان الجذور، وأمراض الذبول على أشجار التفاح، والحمضيات، والرمان في محافظة صعدة، وكذلك على أشجار المانجو، والنخيل والحمضيات في الحديد، وغيرها، ولا تزال الدراسات مستمرة.
ويقول مدير عام وقاية النباتات المهندس أحمد الكول إن الإجراءات تتطلب تفعيل إدارة المكافحة المتكاملة، وخاصة قسم المكافحة الحيوية، وإعادة النظر في البنية التحتية لمختبرات المكافحة الحيوية ، إلى جانب تأهيل عدد من مختصين الوقاية للعمل فيه، وتربية الأعداء الحيوية من الطفيليات والمفترسات لأهم الآفات الحشرية التي تسبب خسائر اقتصادية للمحاصيل الاستراتيجية ( القمح ، الذرة الشامية ، الشعير ، الحبوب الأخرى ، البن ، الخضار ، الفاكهة ) مشيراً إلى أن الآفات الدخيلة لا يمكن السيطرة عليها بالمبيدات الحشرية، أو الفطرية إلا من خلال استخدام المكافحة الحيوية التقليدية.
ويوضح أن الخطوات، أو البرامج التي يمكن اتباعها للحد من هذه الآفات، والقضاء عليها، يتمثل في تشخيص الآفات المنتشرة على المحاصيل الزراعية اللوزيات، الخضار، الحبوب، الفاكهة والمحاصيل النقدية الأخرى مهمة للغاية لكي يسهل مكافحتها باتباع الطرق التقليدية، لمكافحتها، باستخدام طرق المكافحة المتكاملة كحزمة من الاجراءات.