تقاريرصحافة

العنب اليمني.. موروث زراعي عريق ومتجدد

يعد رمزاً للحضارة وركيزة للاقتصاد

تعد زراعة العنب من الزراعات القديمة التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالحضارة اليمنية، وعرفها الإنسان اليمني منذ أقدم العصور، بشكل متميز تفردت به اليمن عن سائر الحضارات الأخرى.
وتشير الدلائل التاريخية إلى أن اليمنيين القدامى كانوا يعتبرون ملكة العنب آلهة من بين آلهتهم، وأن شجرة العنب كانت بالنسبة لهم شجرة عريقة وترمز إلى الخلود، حيث تم طباعة عناقيد العنب في العملة النقدية، كما تم نحت أوراق العنب والعناقيد في القطع الأثرية والأعمدة، وهو ما يدلل على المكانة الكبيرة التي احتلتها فاكهة العنب لدى اليمنيين عبر الأزمان، وقد حافظ اليمنيون على هذه المكانة كموروث زراعي عريق لا يمكن تركه أو التخلي عنه.

اليمن الزراعية – أيمن قائد

ويعتبر العنب بشكل عام محصولاً نقدياً ذي قيمة عالية بحيث يستفيد منه المزارع اليمني، وكذا التجار والمستهلكين، ويشكل رافداً اقتصادياً مهماً على مستوى الفرد والمجتمع ويوفر كذلك العديد من فرص العمل خلال الموسم وطوال العام.
وتنتشر زراعة العنب في عدة محافظات يمنية، لعل أشهرها محافظة صنعاء، وعمران، وصعدة، والجوف، وهي المناطق التي يتناسب مناخها مع شجرة العنب.
وتصنف مديرية بني حشيش بمحافظة صنعاء بأنها من أشهر المديريات بزراعة وإنتاج أجود أنواع العنب؛ وذلك لما تتميز به من تربة خصبة ومناخ مناسب.
ووفقاً لمزارعين في مديرية بني حشيش، فقد توسعت زراعة العنب بالمديرية خلال السنوات الأخيرة، وسط تأكيد على الاستمرار والتمسك بزراعة أشجار العنب باعتبارها أهم المنتجات الزراعية التي تعود عليهم بالفائدة رغم المشقة التي تواجههم في مختلف مراحل زراعة العنب.
وفي السياق يقول عبدالله الأغربي وهو أحد مزارعي العنب في بني حشيش أن زراعة العنب في المديرية تعد الأكثر انتشاراً والأكثر زراعة مقابل المحاصيل الزراعية الأخرى، لافتاً إلى أن الزراعة في عصر الأباء والأجداد تركزت على زراعة العنب إلى جانب بعض الحبوب.
وبحسب الشواهد فإن مديرية بني حشيش مارست زراعة العنب منذ آلاف السنوات، مشيراً إلى أن هناك آثار في حصن ذي مرمر الأثري مكتوب ومنقوش على أحد الصخور، وأن هناك رسمه ترمز إلى صورة العنقاد مع ورقة العنب.
ويشير الأغربي إلى أن للعنب أصناف عديدة بأكثر من 30 صنفاً، ولكن لم يتبق منها سوى ما يقارب سبعة أو ثمانية أصناف أبرزها الرازقي والعاصمي والأسود.
ويضيف أن العنب هو من أحد الركائز الاقتصادية للمزارع الحشيشي خاصة الرازقي الذي يشتهر ويزرع بكثرة والذي يجفف ويصلح منه الزبيب اليمني الذي يعد أفضل أنواع الزبيب في العالم من حيث جودته ومذاقه.
صعاب وعوائق
ولكن ثمة صعاب تواجه مزارعو العنب يذكر المزارع الأغربي بعضاً منها متمثلة في غلاء المستلزمات الزراعية وكذلك تعدد وتنوع المبيدات التي أصبحت منتشرة دون رقابة مما تسبب أغلبها في هلاك الأشجار والثمار مع انتشار بعض الأمراض نتيجة الافراط في استخدام هذه المبيدات.
ويضيف أن من ضمن المعوقات ضعف التسويق وتدني الأسعار، حيث لا توجد عملية تسويقية بالطرق الحديثة التي يستطيع من خلالها المزارع التحكم بسعر منتجه مما يضطر للبيع ولو بأدنى الأسعار، كما أن الأسواق تكتظ بالأعناب في فترة واحدة وليس هناك جهة تقوم بتنظيم وتوجيه المزارعين وتوزيعهم على الأسواق في المحافظات على حسب الاحتياج اليومي لكل محافظة.
ويطالب الجهات المختصة إلى فتح المجال لتسويق العنب مع الزبيب وتصديره إلى خارج البلد بطريقة منتظمة وفق نظام سليم بأساليب راقية، مؤكداً أن هذه العملية ستحقق للمزارع اليمني الفائدة، وستعود عليه بما يتناسب مع مخرجاته الزراعية التي ينفقها طوال العام، معتبراً أن كل هذه النجاحات لن تتم إلا بتعاون مشترك من الجميع.
الأهمية الاقتصادية
ويعد محصول العنب رافداً اقتصادياً مهماً إذا تم الاهتمام به بشكل جيد بتجاوز الإشكاليات وبالتغلب على المعوقات ، حيث يوضح ذلك رئيس قسم الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة جامعة صنعاء الدكتور خالد قاسم قائلاً بأن إنتاج العنب يستفيد منه الكثير من العاملين سواء كانوا مزارعين، أو تجاراً، أو مصنعين وذلك من خلال توفير مداخيل أو أجور أو عمولات، وأن سوق العنب يوفر فرص عمل دائمة أو موسمية للعديد من العاطلين، خاصة وأن بيع العنب وتسويق ثماره وزبيبه تمارس في معظم أنحاء اليمن، وبذلك يوفر العديد من فرص العمل خلال الموسم وطول العام، كما أنه يوفر فرص عمل للنساء في مناطق إنتاجه من حيث إزالة الحشائش وخف الأوراق والجني والحصاد.
ويقول الدكتور قاسم إن زراعة العنب وتجارته وتصنيعه تساهم في توفير أجور أو دخول يستفاد منها في تحسين سبل المعيشة والانفاق على تعليم وصحة الأبناء ، بخلاف معظم ثمار الفاكهة، فإن العنب يتم بيعه طازجاً، والفائض منه أو المواصفات الجيدة فيه يتم تجفيفه وتحويله إلى زبيب والذي يتم تخزينه وبيعه بأسعار مرتفعة، حيث يصل سعر القدح الواحد من الزبيب لأكثر من 150 ألف ريال يمني ، مشيراً إلى أن معظم اليمنيين يستفيدون من منتجات العنب “الثمار الطازجة، الزبيب المجفف، الأوراق” ويستفيدون من قيمته الغذائية والعلاجية.
ويضيف أن العنب المجفف “الزبيب” يعد من الهدايا ذات القيمة الرمزية في اليمن، حيث يتم تقديمه في حفلات الزفاف وفي الأعياد، ولا تخلوا أية مائدة منه أثناء تبادل الزيارات العائلية، فيما أن عصير العنب يعتبر هو الآخر منتج ثانوي ومشروب شعبي رائج في اليمن كما في بقية بلدان العالم.
ويشير إلى أن لشجرة العنب قيمة جمالية رائعة، حيث يمكن أن تزين الأبنية والشرفات والمداخل، واستخدامها في تزيين الحدائق وعلى شكل مظلات وتنقي وترطب الجو المحيط، مؤكداً أن كل ما سبق من أهمية فأنه من المهم أن يولي المجتمع والحكومة عناية فائقة بزراعة العنب والتوسع في انتاجه وتحسين فرص المنافسة في الأسواق المحلية والإقليمية.
وفي هذا السياق يقول مدير عام الإنتاج النباتي وجيه المتوكل: بأن العنب اليمني يتصف بجودته العالية ومذاقه الراقي مع تنوع أصنافه وألوانه وأنواعه حيث كان هناك أكثر من 40 صنفاً في الماضي، بينما حالياً يوجد القليل كصنف العنب الأسود، وكذا صنف البياض، والرازقي والجبري وصنف العنب العاصمي.
ويذكر المتوكل بأن محافظة صنعاء تمثل أكبر وأشهر محافظة لإنتاج العنب بشكل عام، وبالتحديد في مديرية بني حشيش ويتبعها خولان وبني الحارث وهمدان، موضحاً أن البيئة المناسبة التي تحتاجها زراعة العنب هي المناطق الخصبة، وكذا المناطق المرتفعة بشكل عام، والمناطق التي تكون باردة شتاءً ومعتدلة صيفاً.
ويشير المتوكل إلى بعض من المعوقات التي يواجهها العنب أبرزها شحة الماء وارتفاع تكاليفه، إضافة إلى إحلال القات محل العنب في بعض المناطق، معتبراً أن العنب يحتاج إلى معاملات زراعية مجهدة طوال الموسم، ويحتاج إلى تكاليف، بالإضافة إلى تكاليف التوسع، متبعاً أن التسويق غير منظم بحيث يضمن حق المزارع، وهو الأمر الذي يقلل من إنتاجية هذا المحصول حسب قوله.
معالجات وحلول
وكانت المهندسة تيسير السنحاني ماجستير أعناب قد تطرقت مسبقاً خلال حوار لها مع إذاعة الاقتصادية إف إم إلى جملة من العناصر الهامة ضمن المكانة الكبيرة التي يتبوأها العنب اليمني، وجاءت بحزمة من الحلول والمعالجات التي من شأنها الحد من وجود الإشكاليات والمعوقات.
وأشارت إلى أن الأهمية الاقتصادية للفاكهة من حيث الاستخدام بأنها تدخل في عنب المائدة وعنب الزبيب وعنب التعليب وعنب العصير واستخدامات أوراق العنب.
وقالت إن من الضروري التغلب على الصعوبات التي تواجه المزارع والمحصول من خلال إقامة الأسواق التجميعية في مناطق زراعة العنب وأن تحتوي هذه الأسواق على ثلاجات مركزية لحفظ العنب، إضافة إلى جلب رؤوس الأموال في قطاع التصنيع الغذائي كعنب التعليب وعنب العصير واستغلال ورق العنب.
وأضافت أنه ضمن ذلك التشجيع على عمل المهرجانات باعتبارها نقطة تحول ممتازة، ليعرف العالم ما لدينا من محاصيل استراتيجية، مشددةً على التصدير والشراكات وتسهيل سبل للصادرات وانشاء وحدات بحوث خاصة بهذا المحصول، من أجل الحفاظ على هذا الإرث المتبقي من هذه الأصناف المتميزة.
وتابعت بقولها إن من المهم إنشاء مشاتل متخصصة لهذه الأصناف لكي ننهض بهذا القطاع وفق رؤية شاملة ليبقى مجده كما كان عليه في الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى