تخفيض التكاليف وزيادة الاستثمار
تعاني النظم الزراعية والغذائية من التدهور المتزايد في اليمن نتيجة الممارسات الخاطئة التي يقوم بها المزارع من دون قصد، أو الاستهداف الممنهج للقطاع الزراعي، وكذلك سياسات الحكومات السابقة، وإهمالها للجانب الزراعي، ما جعل البلاد في المرحلة السابقة تستورد ما يقارب من 90 % من الغذاء.
وفي ظل هذه الظروف، يمكن للتغييرات الصغيرة أن تحدث فرقاً كبيراً، وتمنح للناس الأمل، عبر الاهتمام والتركيز على ما يسمى بسلاسل القيمة للإنتاج النباتي، أو مشاريع سلاسل القيمة للمحاصيل الزراعية، ومراحل التدخلات المتكاملة حتى الوصول إلى حلقات تسويقية، أو تصدير تلك المحاصيل بعد الاكتفاء الذاتي.
اليمن الزراعية – محمد أحمد
ويوضح مدير سلاسل القيمة للإنتاج النباتي الدكتور اسماعيل العبري، أن سلسلة القيمة هي أحد الأساليب الحديثة التي تعمل على تخفيض تكاليف الإنتاج والتحكم فيها، وتحقيق الميزة التنافسية للمنتجات الزراعية في الأسواق، وتشمل مجموعة من الأنشطة والإجراءات المرتبطة ببعضها، لتحويل هذه الموارد الأولية والمدخلات، إلى منتجات ومخرجات تكون ذي قيمة، وذات جدوى، وجودة عالية.
ويؤكد العبري في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” أن ذلك سينعكس إيجاباً على المزارع وزيادة عملية أرباحه المادية، مبيناً أن أهمية سلسلة القيمة للإنتاج النباتي تتمثل في عملها على تخفيض التكاليف، وكذلك ممارسة ومراقبة وتقييم العمل أو الإنتاج أثناء ممارسة العمليات الإنتاجية، بالإضافة إلى ذلك تساعد وتشجع على تحديد الفرص، وزيادة الاستثمار في المشاريع التنموية الزراعية.
ويقول: “إن خطتهم تتمثل في استهداف 52 سلسلة، أو بالأصح محصول متنوع، ما بين المحاصيل البقولية، والحبوب، ومحاصيل الخضروات والفاكهة، مشيراً إلى أنه في العام الماضي 1445ه، الموافق 2023م، تم العمل على سلسلتين، وهما سلسلة التمور، وسلسلة القطن في تهامة، وأنهم خلال هذا العام، توسعوا إلى 6 سلاسل، وتم العمل عليها إلى جانب القطن، وتم استهداف سلسلة الذرة الشامية، والسمسم، والزنجبيل، والكركم، والبطاط، وأنهم في المراحل البدائية، مضيفاً أن هناك دراسات أعدت لسلاسل القيمة، ونزول فرق إلى أغلب المحافظات اليمنية، على أساس أن موضوع التوسع في سلسل القيمة للمحاصيل النباتية الأخرى سيتم الإعلان عنها في حينه.
رفع كفاءة المزارع اليمني
الطرق والآليات المتبعة في سلاسل القيمة، أو تحديد سلاسل القيمة للإنتاج النباتي، تبدأ بآلية الاختيار، عبر عمل استمارة الاستبيان من قبل باحثين ومختصين، بالتعاون مع الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، وتكليف الفرق الميدانية للنزول إلى الميدان، لجمع البيانات الأساسية حول هذه المحاصيل التي سيتم استهدافها وتحديدها، ثم ترتيب الأولويات في هذه السلاسل حسب المحاصيل، وأهميتها على المستوى الوطني، بما يحقق ويساهم في تقليل فاتورة الاستيراد لهذه المحاصيل، حسب قول العبري.
ويزيد العبري بالقول:” وبعد ذلك تبدأ عملية أو آليات العمل، عبر اختيار ضباط السلاسل، بعد أن يتم تدريبهم وتوعيتهم، وقيام فريق منهم بجمع البيانات، وبالتالي اختيار ضباط سلاسل محترفين، للعمل على إعداد الخطط الأولية لتحديد التدخلات التي سيتم العمل في أي محصول من محاصيل في السلسلة، وكمثال على ذلك يتم إعداد خطة تضمن الهدف، الأنشطة، وما هي المؤشرات، وما هي الاجراءات التي سيتم من خلالها تنفيذ هذا النشاط، وهكذا مع أغلب المحاصيل”.
ويؤكد أن التخطيط لعمل سلاسل القيمة له أثر إيجابي برفع كفاءة المزارعين من خلال تعليمهم، واتباع طرق صحيحة في عمليات الزراعة، بدءاً بعملية تهيئة الأرض، ثم اختيار المدخلات كاختيار البذرة السليمة، ذات الانتاجية العالية، والخالية من الأمراض، واتباع العمليات الزراعية الصحيحة أثناء الإنتاج، والري، والمكافحة، وغير ذلك من الأدوات.
متابعاً ” وأثناء عملية الحصاد يتم تعليمهم الطرق الزراعية الطرق الصحيحة لعملية الحصاد بما لا يأتي على المنتج ،و بما يحقق كفاءة الميزة التنافسية لهذا المنتج، وكذلك في عملية تجهيز المنتج للسوق، ومن ثم تسويق هذا المنتج”.
ويكرر التأكيد أن سلسلة القيمة ستحدث تغيراً كبيراً جداً، في رفع كفاءة المزارع اليمني في اتباع التعليمات الزراعية الصحيحة، ورفع كفاءة المنتج اليمني بما يحقق الميزة التنافسية، وبالتالي زيادة في المدخلات المادية والأرباح للمزارع وللاقتصاد في البلد.
مشاريع واهتمام رسمي
وكما هو الحال في سلاسل القيمة للإنتاج النباتي، تسعى القيادة الثورية السياسية بعد ثورة 21 سبتمبر إلى التركيز على سلاسل القيمة للثروة الحيوانية، ووضع الدراسات والخطط واجراء التدخلات المناسبة لمعالجة التحديات وتحويل نقاط الضعف إلى فرص.
ويقول مدير عام تنمية الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة والري عبد العزيز الجنيد، إن أهمية إعداد الدراسات الخاصة بسلاسل القيمة للثروة الحيوانية، يكمن في تحديد نقاط الضعف والقوة، في مراحل الإنتاج والتسويق المختلفة، وتحديد التحديات، وكيفية مواجهة تلك التحديات بإجراء التدخلات المناسبة لمعالجة التحديات وتحويل نقاط الضعف إلى فرص.
ويقول الجنيد في تصريح خاص لصحيفة ” اليمن الزراعية” إن سلاسل القيمة تتعدد في الثروة الحيوانية بحسب نوع الثروة الحيوانية والمنتجات، مشيراً إلى أن تنمية الثروة الحيوانية في بلادنا، تواجه تحديات عديدة، أهمها تدهور الإنتاج وسوء إدارة الأعلاف، ومشاكل التسويق، ونظراً لحساسية المنتجات الحيوانية كونها منتجات حيه تحتاج لتدخلات عديدة أثناء التربية والإنتاج، الأمر الذي يتطلب اجراء دراسات ميدانية واقعية لسلاسل القيمة، منوهاً إلى أنهم يقومون بإعداد الدراسات للعديد من المنتجات الحيوانية في الفترة الحالية.
ويضيف أن سلاسل القيمة للثروة الحيوانية تبدأ من اختيار القطيع، وتحديد المدخلات ودراستها، ومن ثم دراسة التدخلات أثناء مراحل الإنتاج المختلفة، كالرعاية والتغذية ومختلف الإجراءات اليومية، ومتابعة الإنتاج حتى وصول المنتج إلى المستهلك سواء عبر المصانع، أو بشكل مباشر.
ويشير إلى أن هناك مشاريع في مجال اللحوم البيضاء ” الدواجن، والأسماك وبيض المائدة”، ومشاريع إنتاج اللحوم الحمراء، منها مزارع تسمين الأبقار والأغنام والماعز، إضافة إلى مشاريع إنتاج الألبان، ومشاريع إنتاج الأعلاف الحيوانية، وكذلك مشاريع إنتاج العسل والمنتجات النحلية غير العسلية.
ويضيف أن المشاريع التي تحققت إلى الآن وفقاً لسلاسل القيمة هي مشاريع الألبان، حيث تم ربط منتجي الحليب بمحافظة الحديدة بمصانع الألبان، وجاري الاستمرار بإنتاج مشتقات الألبان وفقاً لسلاسل القيمة.
ويقول الجنيد إنه ومن خلال تتبع ودراسة سلاسل القيمة للثروة الحيوانية، اتضح أن الخلل المشترك لجميع منتجات الثروة الحيوانية يكمن في العملية التسويقية، حيث لا توجد لدينا سياسة تسويقية واضحة للمنتجات الحيوانية، ولا يتم تسويق المنتجات الحيوانية، وفقاً للوزن كما هو معمول به في جميع بلدان العالم.
ويشير إلى أن القطاع الخاص شريك أساسي في انجاح العمل بنظام سلاسل القيمة، وهناك تعاون واستجابة كبيرة من القطاع الخاص في تنفيذ التدخلات اللازمة لسلاسل القيمة.
وتطرق في حديثه إلى سلاسل القيمة للدواجن، التي يتم حالياً دراستها ونتائج الدراسة ستسهم بشكل كبير في حلحلة ملف الدواجن، وايجاد الكثير من الحلول لمشاكل قطاع الدواجن في بلادنا، حيث ونتائج دراسات سلاسل القيمة سوف تساعد على اتخاذ القرارات المناسبة والتشريعات اللازمة لحل مشاكل الدواجن والثروة الحيوانية.
مساهمة الجمعيات
وبات التخطيط والتنفيذ وفق سلاسل القيمة للمنتجات الزراعية ومساهمة القطاع الخاص من جمعيات وغيرها، أمر بالغ الضرورة، ووضع منهجية موحدة لخلق سلاسل قيمة، وتحديد الأدوار والشركاء العاملين في سلاسل القيمة للمحاصيل الزراعية التي ستحقق تنمية مستدامة في القطاع الزراعي.
ويؤكد أمين عام الاتحاد التعاوني الزراعي محمد القحوم، أن هناك العديد من البرامج الخاصة، بتأهيل وبناء الجمعيات خاصة ضمن سلاسل القيمة، ولدينا العديد من البرامج التأهيلية والتخصصية العامة والنوعية وللجمعيات التعاونية الزراعية، من ضمنها سلسلة القيمة.
ويقول القحوم في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” إنه تم إعداد سلاسل قيمة ودراسة لــ 6 محاصيل، وتجهيز خطتها، وفي المرحلة القادمة نسعى مع بقية الشركاء إلى عمل وخطة دراسة لـ 56 سلسلة قيمة، والتي سيكون لها الدور الأبرز في تأهيل الجمعيات والرقي بها، بحيث تسعى إلى مواكبة الجهات، ومواكبة اللاعبين الرئيسيين في سلاسل القيمة.
ويشير إلى أن أهم حلقة هي المزارع، الذي إذا عرف وفهم كيفية التعامل مع المحاصيل الزراعية، والذي سينعكس ذلك على تحسين الإنتاج، وهو ما نسعى إليه، وفق برامج عملية مرحلية ضمن مراحل قادمة في عمل سلاسل القيمة.
ويرى أن هناك مشكلة، تتمثل في التسويق بعد توفر المحصول أو الإنتاج لدى المزارعين، والجمعيات التعاونية الزراعية، وكمثال، فلا وجود للنشاط والتسويق من بقية الشركاء في باقي الحلقات، وهنا تكون الاخفاقات للجمعيات في حلقة التسويق.
ويؤكد أنهم في الاتحاد التعاوني الزراعي أهم ما يسعون إليه هو العمل وفق سلاسل القيمة، وتحسين حلقات سلسلة القيمة، كون هذه المسألة مهمة جداً، وتساعد في نجاح الإنتاج للمحاصيل الزراعية، مع الجمعيات الزراعية في تحسين الإنتاج من المدخلات، ومعاملات المحاصيل الزراعية، وكذلك الحصاد وما بعد الحصاد إلى التسويق.
الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي
وعن دور الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي في تنفيذ برنامج تطوير وتحسين سلاسل القيمة الزراعية يؤكد المدير الفني للإدارة العامة لنشر التقنيات بالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، الدكتور علي مقحيش أن الهيئة العامة للبحوث والارشاد الزراعي تلعب دوراً كبيراً في تحسين سلاسل القيمة، والتي تعتني بالمنتج من الحقل حتى المستهلك، وأن سلاسل القيمة تمر بعدة مراحل، منها المراحل ما قبل الإنتاج، أثناء الإنتاج، أثناء المعالجة، والتسويق، والتجزئة، ومن ثم المستهلك.
ويضيف الدكتور مقحيش في تصريح خاص لصحيفة “اليمن الزراعية” أنه إذا ما افترضنا ظهور خلل معين في مراحل الإنتاج، فهنا يأتي دور البحوث، وذلك بعد أن نقوم بعملية دراسة السلسلة كاملة، حيث تظهر الأدوار، و نبين ما الدور الذي تلعبه كل الجهة؟، هل الدور للبحوث؟ أم للإرشاد؟، هل للمؤسسات الخاصة بالتسويق؟ هل المؤسسات الخارجية؟ أم توصيات خاصة بصناع القرار؟
ويتابع حديثه:”و بالتالي فالهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي تلعب حسب الأدوار التي تسند إليها، بحيث نحدد أبحاثاً على مستوى كل سلسلة أو حلقة من حلقات سلاسل القيمة لأي محصول، وذلك بعد دراسته وتحديد الفجوات، والتي ترتكز على خبرة كبيرة، ودراية عالية، وكذلك بطريقة نقاش معينة مع المزارعين، لافتاً إلى أن استمارة الأسئلة أحياناً قد لا تعكس ما يدور في خلد المزارعين، أو كل ما يعانيه الناس، مثلاً في مسألة الإنتاج، أو في مسألة التسويق، التصدير، إلا أن مسار النقاشات، وخبرة الشخص المكلف بجمع البيانات، تعتبر عاملاً محدداً ورئيسياً.
ويشير إلى أن اختيار مديري أو مندوبي سلاسل القيمة في البحوث، من الأفضل أن يكون في الأساس مسؤول الدراسة، من ذوي الاختصاصات الاقتصادية، له قدرة على التحليل، وله الحرية فيما بعد بالاستعانة بمن أراد ممن هم تحته.
ويرى مقحيش أنه في سلاسل القيمة يجب أن تدرس بكل الحلقات، “الـ 6 الحلقات لسلاسل القيمة”، لكن تعكس الأدوار، وبالتالي يكون لدى مندوبين متخصصين أبحاث، فمثلاً في جزئية أمراض النبات، إذا ظهرت في أي سلسلة من سلاسل القيمة لكل المحاصيل مشكلة بجانب الأمراض مختص الأبحاث يتدخل، وهكذا في بقية الأجزاء كمشكلة في التربة أو في التسميد، أو الري، وغيرها، يتدخل المختص والمندوب حسب الاختصاص، وبالتالي لدينا باحثين يقومون بعمل مقدمات بحثية محددة لكل محصول، لكي يحسن السلسلة.
ويضيف: ” وعليه لا أرى أن يكون هناك ضابط، أو مندوب للسلسلة، كونه لا يوجد شخص فاهم فيما قبل الإنتاج، أثناء الإنتاج، في التسويق، في المعالجة، في مراحل الاستهلاك، مؤكداً أن عليه كمسؤول أن يختار أشخاصاً يخدمون السلسلة، كل في تخصصه، أو في الفجوة التي ظهرت، وبالتالي تحديد مندوبين على مستوى كل خلل في كل سلسلة أين كانت، وهذا هو الأساس.
وتعتمد معرفة مكمن الخلل، على إنجاز الدراسة بطريقة حرفية، ومهنية تغطي كافة الجوانب، ومن هنا يسهل ظهور مكمن الفجوات، والعيوب والمعوقات ونعمل على حلها، ومن المسؤول عن كل ذلك. وما هي المميزات لكل صنف، أو منتج، وبالتالي نعمل على استغلال هذه المميزات، حسب قول الدكتور مقحيش.
ويزيد بالقول:” وكذلك حاولنا إيجاد الآلية المناسبة لعمل التقارير، مع ضرورة احتوائها على أهم المعوقات والصعوبات، وكذلك نقاط القوة، نقاط الضعف، لكل محصول، وأيضاً كيف يمكننا تحسن السلسلة بمنهجية صحيحة، وواقعية، وميدانية، مبنية على أسس علمية”.