تجسد الرقي الحضاري والسلوك الإنساني:
يبرز دور المبادرات المجتمعية من حين إلى آخر، ويتصاعد العمل المجتمعي في مختلف المحافظات والمناطق الزراعية بوتيرة عالية وبصورة جلية؛ تعكس الروحية العالية لأبناء المجتمع اليمني بتجسيدهم مبادئ الإحسان والتعاون والبذل والعطاء.
وتعد المبادرات المجتمعية أحد عوامل التماسك المجتمعي والتي بدورها تسهم بشكل رئيس في تخفيف العبء على المواطن اليمني وترفع المعاناة عن كاهله، وبها يكتمل العمل والبناء والإنجاز وتنجلي الكثير من الإشكالات والصعاب.
اليمن الزراعية – أيمن قائد
وتحرص القيادة الثورية والسياسية، ممثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- والرئيس مهدي المشاط، على توسيع المبادرات المجتمعية وإشراكها مع الجانب الرسمي، حيث برزت العديد من المبادرات المجتمعية التي أسهمت في بناء السدود والحواجز وتعبيد الطرقات وإحياء الأراضي الزراعي في مختلف المحافظات المحررة.
كان من الملفت مما تجلى في الدور الكبير للمبادرات المجتمعية خلال موسم هطول الأمطار الأيام الماضية وما خلفته السيول العارمة من أضرار بالغة في الأراضي الزراعية بما في ذلك مناطق زراعة منتج البن، حيث جُرفت الكثير من الأراضي وتهدمت معظمها بشكل كلي وجزئي لاسيما في محافظة المحويت وذمار وريمة.
وهنا برزت الأهمية الكبرى للمبادرات المجتمعية والتي كان لها الأثر الكبير والملفت في التغلب على هذه الكارثة الطبيعية، حيث سارع أبناء المجتمع في الحد من تفاقم الأضرار وأوجدوا الحلول المناسبة في فترة زمنية وجيزة.
دور حيوي
وفي السياق يشير رئيس جمعية النمو التعاونية الزراعية محمد الجابري إلى أن المبادرات المجتمعية تلعب دورًا حيويًا في النهوض بقطاع البن، موضحاً بأنها تساهم في تحسين الإنتاج مما يزيد من قدرته التنافسية في الأسواق العالمية.
ويضيف الجابري عبر صحيفة “اليمن الزراعية” بأن المبادرات المجتمعية تساهم في بناء مجتمع متماسك يقوم على مبدأ الاخاء والتكاتف والتعاون بين أبناء المجتمع وكأن أبناء المجتمع خلية نحل، مضيفاً أنها تساهم في تسريع عجلة التنمية والنهوض بقطاع البن بشكل أفضل، مشيراً إلى أن في حالة احتياج أحد المزارعين للعون في إنجاز عمل فوق طاقته؛ يهرع أبناء المجتمع لتقديم يد العون.
ويقول إن المبادرات المجتمعية تعمل على زيادة الإنتاجية من خلال تبادل المعرفة والخبرات بين المزارعين وتوفير مصادر الري، وفي جانب التمكين الاقتصادي توفر المبادرات فرصًا للمزارعين لبيع منتجاتهم بشكل مباشر أو عبر تعاونيات، مما يقلل من تأثير الوسطاء ويزيد من نصيب المزارعين في الأرباح، متبعاً أنها تساهم في تحسين البنية التحتية اللازمة لتوفير الشتلات ومخازن تجمعية ومعامل تجفيف مما يحسن من القيمة المضافة للمحصول ويسهل الوصول إلى أسواق جديدة.
ويؤكد أنه لن تتحقق أي نهضة في كافة مجالات الحياة إذا لم يكن هناك مبادرة من أبناء المنطقة، في دلالة بارزة على أهمية المبادرات المجتمعية بين المزارعين من أبناء المجتمع.
وبالإشارة إلى دور جمعية النمو التعاونية الزراعية وإسهامها في جانب المبادرات المجتمعية؛ يوضح رئيسها محمد الجابري بأن الجمعية تسهم بشكل كبير في المبادرات من خلال تقديم الاحتياجات الضرورية لأبناء المجتمع.
ويذكر بأن الجمعية قامت بتمويل عمل أنابيب توصيل المياه لأحد الغيول في مديرية الحيمة وبتنفيذ أبناء المجتمع؛ في صورة معبرة على اكتمال العمل المشترك التعاوني وفاعليته.
وفي قطاع منتج البن كذلك يشير الجابري إلى جملة من المبادرات التي تمت من خلال الجمعية من أبرزها؛ زراعة وتوزيع أكثر من ٣٠ ألف شتلة بن، قلع أكثر من ٢٠ ألف شجرة قات، بالإضافة إلى تحشيد وتوعية أبناء المجتمع لتنفيذ وبناء ١٨ خزان حصاد مياه الأمطار بسعة تخزينية تصل إلى ١٧ ألف متر مكعب، حيث تم إنجاز المشروع على أرقى مستوى حسب قوله.
تحسين الإنتاج
وتمتد المبادرات المجتمعية في مناطق زراعية واسعة من المحافظات ومديرياتها، ففي مديرية حراز يشير أمين عام جمعية الاكليل التعاونية الزراعية هاني جرمة العمادي إلى تحسن إنتاج البن في الإطار الجغرافي لجمعية الاكليل حيث قامت الجمعية بتشجيع المزارعين في استصلاح الأراضي الصلبة وغرسها للبن مما زاد إنتاج محصول البن، كما قامت الجمعية بتوعية المزارعين في عملية الحصاد ومواجهة الآفات الحشرية وذلك بإنزال فريق التوعية لهم.
ويضيف العمادي أن الجمعية قامت بتشجيع المزارعين في توفير مادة الاسمنت لإصلاح حواجز المياه “البِركات” بالدعم من مكتب الزراعة والصندوق الزراعي والسمكي لعدد 35 بركه، مفيداً بأنه يوجد حالياً دعم ل 225 بركة مياه.
ويقول إن الجمعية قامت بحشد الجهود المجتمعية والرسمية لدعم المبادرات المختلفة في الإرشاد الزراعي وتقديم خدمات الإرشاد بالممارسات الزراعية السليمة وطرق وأساليب مكافحة الآفات الزراعية الآمنة وتبني مبادرات مجتمعية بالتنسيق مع الاتحاد التعاوني لجمعيات منتجي البن في توفير ٦٠٠ مجفف وإنشاء معمل تجفيف يقدم خدمات التجفيف للمزارعين ويحقق جودة عالية تمكن المزارعين من الحصول على أسعار عادلة.
كما يضيف أنه وبالتنسيق مع الإتحاد تم تبني مبادرة مجتمعية لإنشاء وإعادة تأهيل ٣٥ خزاناً، بالاستفادة من حصاد مياه الأمطار بسعة تخزينية ٤٠٦٣ متر مكعب لري البن ، منوهاً أنهم بصدد تبني مبادرة لإعادة تأهيل وإنشاء 225 خزان حصاد مياه الأمطار لري منتج البن.
مبادرات متوارثة
من جانبه يعتبر أمين عام اتحاد البن مجيب الحوتي أن المبادرات المجتمعية تعد من المشاريع المستدامة وذلك نظراً لأهميتها لدى المجتمع سواءً كان ذلك التنفيذ بنسبة كاملة من أبناء المجتمع، أو بجزء من نسبة التنفيذ.
ويرى الحوتي بأن المبادرات من أهم العوامل الرئيسية في تماسك وتكاتف المجتمع الزراعي، ويسعى جميع أبناء المجتمع إلى المحافظة عليها وذلك نظراً للجهود التي بذلوها في تنفيذها مقارنة بغيرها من المشاريع التي لا يكون للمجتمع إسهام فيها.
ويشير إلى أن اليمنيين يتوارثون هذه المبادرات جيلاً بعد جيل من خلال التعاون والتماسك فيما بينهم، حيث جعلوا من تلك الجبال الشاهقة مدرجات زراعية تنتج أجود المحاصيل الزراعية والتي من أهمها وأشهرها محصول البن اليمني والذي تتميز به اليمن عن سائر البلدان الأخرى وقد عرف العالم أن اليمن هو المصدر الأول للبن.
ويقول الحوتي بأن المبادرات المجتمعية لا تزال قائمة في مجتمعنا الزراعي حتى اليوم، بل إنها نمت وتطورت بعد ثورة ٢١ من سبتمبر العام ٢٠١٤م والتي كانت ثورة التحرر من الوصاية الخارجية بكل ما تعنيه الكلمة حيث جاءت الثورة الزراعية نتيجة من نتائجها.
ويضيف أن الذكرى الثالثة لثورة البن اليمني تأتي هذا العام وقد تم تنفيذ العديد من المبادرات المجتمعية والتي من أبرزها على سبيل المثال لا الحصر؛ تنفيذ وإنشاء عدد ٥٢ خزان حصاد مياه الأمطار بمحافظة صنعاء مديريتي الحيمة الخارجية ومناخه وذلك بجهود أبناء المجتمع بنسبة كبيرة جداً تصل إلى ٧٠% من إجمالي تكلفة الإنشاء، حيث من المتوقع أن يصل إجمالي كمية المياه التي تم حصادها خلال موسم الأمطار لهذا العام في تلك الخزانات إلى أكثر من ٣٠ ألف متر مكعب، إضافة إلى التوسع في زراعة البن في تلك المناطق إلى ما نسبته ٣٠% من الأشجار الموجودة حالياً.
وهو الحال ذاته بالنسبة لبقية المحافظات التي تزرع البن، حيث يوجد تكاتف وتعاون بين أبناء المجتمع بشكل كبير خاصة في ظل وجود الجمعيات التعاونية الزراعية والتي لها دور كبير جداً في تحفيز أبناء المجتمع وتوعيتهم بأهمية العمل التعاوني الزراعي.
ويؤكد: “سنشهد خلال شهر أكتوبر القادم بإذن الله تعالى تنفيذ العديد من المبادرات المجتمعية وافتتاح عدة مشاريع نفذت عن طريق أبناء المجتمع كمبادرات مجتمعية وذلك بالتزامن مع مناسبة اليوم العالمي للبن والذي يصادف الأول من أكتوبر من كل عام إضافة إلى مناسبة الذكرى الثالثة لثورة البن اليمني بإذن الله تعالى”.