تقاريرصحافة

قــانــون المـيــاه.. نــصـــوص بــلا تـطـبـيــق

الحفر العشوائي للآبار أكبر صعوبات التنمية الزراعية

ينص قانون المياه رقم 33 لسنة 2002، في مادته (35) على منع أي فرد أو جماعة أو جهة حكومية أو أهلية على حفر أي بئر أو تعميقها إلا بترخيص مسبق من الجهات الرسمية المسؤولة، متمثلة في الهيئة العامة للموارد المائية، وتم تعديل بعض مواده بقانون رقم 41 للعام 2006.

هذا القانون بحسب خبراء ومختصين مايزال في الأدراج ولم يتم تفعيله ومازال الحفر العشوائي للآبار يزداد يوما بعد آخر في كل محافظات البلاد وهو مازاد من تفاقم المشكية.

اليمن الزراعية – الحسين اليزيدي

يقول صلاح أسعد، أحد الأهالي في ريف محافظة ذمار، إن الحفر العشوائي يعد أبرز أسباب ندرة المياه الجوفية وجفاف الآبار، حيث تجاهل العديد من المزارعين المسافات الآمنة بين الآبار. وهذا السلوك يهدد على المدى القريب بجفاف معظم الآبار، وعلى المدى البعيد بتقليص حجم الأحواض المائية.
وأضاف أسعد أن هناك استنزاف ملحوظ للمخزون المائي نتيجة الاندفاع الكبير لحفر المزيد من الآبار، مشيراً إلى أن بعض المزارعين يمتلكون أكثر من بئر واحد في نفس المنطقة وبمسافات متقاربة، خاصة مزارعي القات، الذي يعد من أكثر المحاصيل استهلاكاً للمياه.
من أبرز المشكلات الحالية أن بعض الآبار الارتوازية تعاني من قلة المياه، حيث توفر المياه لساعات محدودة فقط قبل أن تنقطع، ويجب انتظار تجميع المياه مجدداً لاستخدامها، كما أن هناك آبار توقفت عن العمل تماماً بسبب الجفاف.
وفي مشهد يعكس تفاقم الحفر العشوائي، أشار أسعد إلى مشاهدة حفّارات مياه تعمل في مواقع قريبة للغاية، لا تتجاوز المسافة بينها عشرات الأمتار، وهو دليل واضح على العشوائية التي تؤدي إلى استنزاف الأحواض المائية وتهديد مستقبل المياه في المنطقة.
وعلى صعيد متصل يؤكد خبراء ومختصون أنّ حوض صنعاء الجوفي أوشك على النفاد؛ مشكلةٌ يواجه تبعاتها مزارعو العنب والقمح والخضروات في منطقتي همدان وأرحب بمحافظة صنعاء، إذ يستنزف (القات) جُلَّ هذا المخزون بعد توسُّع زراعته بشكل كبير، على حساب بقية المزروعات التي تشتهر بها مديريات محافظة صنعاء، التي وصل فيها الحفر العشوائي للآبار إلى قرابة 1200 متر في باطن الأرض، ممّا اضطَرّ عدد من هؤلاء المزارعين إلى التخلي عن الزراعة والبحث عن سُبل أخرى لتوفير لقمة العيش.
محمد غانم، أحد أبناء منطقة همدان، يرى أنّ عدم وضع شروطٍ لحفر الآبار، وغياب الرقابة، وعدم تحديد العمق، هو السبب الذي يدفع الناس إلى كل هذه الفوضى والعبث بالمياه الجوفية، إذ يبلغ عمق الحفر نحو 600 متر إلى 1000 متر.
ويشير غانم في حديثه إلى أنّ كثيرًا من المزارعين اتجهوا لزراعة القات عوضًا عن العنب والخضروات نظرًا للمردود السريع والمتكرر للقات بالنظر لموسمية العنب، إضافة إلى الجهد الكبير والوقت الذي تحتاجه حتى الحصاد، خاصة في ظل غياب الدعم والاهتمام من قبل وزارة الزراعة والري، التي لا وجود حقيقي لدورها.

جفاف آبار الشرب
بنبرة حزينة، يتحدث علي ناصر (50 سنة)، من أبناء مديرية كُشر بحجة عن صعوبة الحصول على مياه الشرب في المنطقة، مؤكدًا أن العيون السطحية التي كانت المورد الأول للمواطنين في منطقتهم أصبحت ناضبة، إلا من القليل من الماء غير الصالح للشرب، مما يضطره وآخرين للتنقل من مورد إلى آخر بحثًا عن الماء النقي، الذي أصبح “شبه منعدم”، ولا يقدر على شرائه غير المواطنين ميسوري الحال، خصوصًا بعد وصول سعر صهريج الماء “الوايت” سعة (5000 لتر) إلى 25 ألف ريال يمني.
شهدت المديرية و مديريات أخرى في المحافظة قبل أشهر جفافًا شبه حاد في مياه الشرب؛ مما دفع المواطنون للبحث عنه بطرق مختلفة، إما عبر الآبار السطحية، والتي نضب معظمها، أو عن طريق حفر المزيد من الآبار الأرتوازية.
وعن هذه المخاطر الناجمة عن الحفر العشوائي للآبار يشدد الدكتور أحمد الوادعي (خبير في الموارد المائية)، على ضرورة اتخاذ خطوات حازمة لتنظيم استغلال الموارد المائية والحفاظ عليها للأجيال القادمة.
ويوضح الدكتور الوادعي أن الحفر العشوائي للآبار دون الرجوع إلى الجهات المعنية أدى إلى استنزاف المياه الجوفية بشكل مفرط في عدة مناطق يمنية، موضخا أن أمانة العاصمة وعددًا من الأحواض الحرجة، مثل تلك الموجودة في رداع وصعدة، شهدت تراجعًا خطيرًا في مستويات المياه الجوفية بلغ أكثر من 6 أمتار سنويًا.
ويشير إلى أن انتشار منظومات الطاقة الشمسية بدون تنظيم ساهم في زيادة عمليات الحفر العشوائي وضخ المياه بكميات غير مدروسة، مما أضاف ضغطًا كبيرًا على الموارد المائية. ولفت إلى أن معظم هذه المياه تُستخدم لري محاصيل القات، التي تُعد من أكثر الزراعات استنزافًا للمياه، بدلاً من استغلالها في زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير التي تعزز الأمن الغذائي.
ويؤكد أن غياب الدراسات الجيولوجية لتحديد المواقع المناسبة للحفر وإنشاء السدود ومستجمعات المياه أدى إلى تفاقم المشكلة. كما أشار إلى أن البناء العمراني العشوائي في مناطق مثل صنعاء، التي تحتوي على صخور رملية قادرة على تغذية المياه الجوفية، زاد من صعوبة تعويض الفاقد المائي.
ويدعو الدكتور الوادعي إلى اتخاذ قرارات سياسية صارمة لمكافحة الحفر العشوائي، تشمل فرض عقوبات رادعة وتشهير بالمخالفين. كما شدد على ضرورة تشكيل فرق متخصصة تضم مهندسين جيولوجيين لدراسة المناطق وتحديد الأنسب للحفر، إلى جانب تنظيم استخدام منظومات الطاقة الشمسية وتوجيهها نحو الأغراض الزراعية الاستراتيجية.
ويشير إلى أهمية التركيز على زراعة محاصيل تستهلك كميات أقل من المياه وتلبي احتياجات الأمن الغذائي، مع تقديم الدعم اللازم للمزارعين وتوزيع بذور المحاصيل المناسبة. كما أوصى بإعادة النظر في التخطيط العمراني وإنشاء سدود ومشاريع مائية تسهم في تغذية المياه الجوفية وتقليل الفاقد.
وينتهي الدكتور الوادعي بتحذير من أن الوضع سيزداد سوءًا في السنوات المقبلة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حازمة لإدارة الموارد المائية وتنظيم استغلالها، داعيًا الجميع إلى التعاون للحفاظ على المياه باعتبارها موردًا حيويًا للجميع وللأجيال القادمة.

الدكتور الوادعي: انتشار منظومات الطاقة الشمسية بدون تنظيم ساهم في زيادة عمليات الحفر العشوائي وضخ المياه بكميات غير مدروسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى