السبيل الأمثل لتفادي خسائر المزارعين
يعد محصول الطماطم من العناصر الغذائية الأساسية للمواطنين، وأحد أبرز الروافد الاقتصادية للمزارعين لاسيما في المناطق الريفية الذين يمثلون الشريحة الأكثر كثافة في المجتمع، كما لا تخلو أية مائدة طعام من هذا المنتج.
وعلى الرغم من خصوبة التربة اليمنية، وما تجود به من إنتاج وفير لأجود أنواع المحاصيل إلا أن زراعة الطماطم تواجه العديد من المشاكل أبرزها ما يتعلق بمدخلات الإنتاج، وغياب تنظيم التسويق إلى جانب الاستثمار في تصنيع معجون الطماطم وغيرها من الصناعات.
اليمن الزراعية – | أيمن قائد
ويتعرض معظم مزارعي الطماطم في الأغلب لخسائر فادحة أثناء تكدس المحصول في الأسواق بفعل اندفاع التوسع في زراعة المحصول في موسم واحد، في حين يتسبب عزوفهم عن زراعته في عدم استقرار الأسعار في الأسواق.
وكانت دراسة اقتصادية تم أعدادها في وقت سابق قد أكدت أن مزارعي الطماطم يتكبدون خسائر اقتصادية فادحة تقدر بملايين الريالات نتيجة لارتفاع نسبة فاقد ما بعد الحصاد، وتترجح الأسباب إلى عدم وجود سياسة الزراعة الموجهة، واختفاء التنظيم التسويقي للمنتج مع ظهور الزراعة العشوائية الناتجة بانعدام الوعي لدى المزارعين؛ وهي أسباب لطالما ينتج عنها اختلال بين العرض والطلب.
وبحسب المزارعين فإن أبرز الإشكاليات التي يتعرضون لها هي عدم التزام الكثير بتوجيهات الجمعيات التي تعمل على تنظيم التسويق مع عدم وجود ضوابط من قبل الجهات الرسمية على المتلاعبين بالأسعار.
ويتحدث أحد مزارعي الطماطم عبد العزيز جرباح عن عملية الزراعة بأنهم يعتمدون في الوقت الحالي على الشتلات، وذلك لأسباب متعلقة بالموسم، موضحاً أنه يتم شتل الطماطم في المشاتل في بداية الموسم وفق معايير يجب مراعاتها، بحيث يكون الجو حاراً، وكذا توفير وقت لإصلاح الأرض المستديمة مع توفير الوقت والجهد، وكذا التخلص من تكاليف فترة الحضانة التي مدتها أربعين يوماً، وإتاحة الفرسة لترتيب الموسم بين المزارعين.
وبالنسبة للإشكاليات التي يواجها المزارع خلال التسويق يقول جرباح بأن المشكلة الأكبر هي عملية الزراعة دفعة واحدة، وكذا القطف وإدخال المنتج إلى السوق دفعة واحدة.
ويضيف: “ضمن مشاكل اختلال التوزان هي وجود المزارعين ذوي الأموال والذين يملكون الكثير من الأراضي ويزرعون الطماطم بكميات كبيرة جداً، بالإضافة إلى دخول أصحاب الكميات الكبيرة من المحصول إلى السوق دفعة واحدة، حيث يزداد العرض ويقل الطلب فتحدث الكارثة، متبعاً قوله: إن بعض أنواع البذور لا تتحمل التخزين والنقل”.
ويقول إن الدولة لم تتخذ إجراءات حاسمة لمن يتلاعبون بالسوق، كما أنها لم توفر مصانع أو تقوم بتصدير هذا الكم الهائل من الطماطم.
ومن ضمن الإشكالات المسببة لعدم التوازن في التسويق بين العرض والطلب؛ يشير المزارع عبد العزيز إلى أنه لا يوجد التزام بتعليمات الجمعية؛ لكون هدف الجمعية هو أن يقسم الموسم على ثلاث فئات؛ حيث فئة أول الموسم، وفئة آخر الموسم، وفئة نهاية الموسم، وذلك لتجنب التسويق للطماطم دفعة واحدة.
كما يتطرق المزارع جرباح إلى ذكر الأصناف التي يقومون بزراعتها، وهي صنف الزهراء وقيمة الشتلة 60 ريال، وصنف الصلاله وقيمة الشتلة 55 ريال، وكذا المنى وقيمة الشتلة 60 ريال.
أسباب ومبررات
وفي سياق متصل يقول مدير عام إدارة الإنتاج النباتي وجيه المتوكل بأن محصول الطماطم بكل العالم يطلق عليها “مجنونة السوق” لما تشهده من ارتفاع وانخفاض في القيمة، مشيراً إلى أن ثمة أسباب ومبررات في اليمن جعلت هذا المحصول متقلباً في أسعاره؛ منها وجود مناخات متعددة باليمن، موضحاً أن لدينا مناخ الهضبة الشرقية والمناخ المتعلق بالمرتفعات وهي مناخات متعددة في السلسلة الجبلية من جنوب اليمن إلى شماله، وكذا إقليم السهول الساحلية أو سهل تهامة وهو مناخ مستقل.
ويذكر أن محصول الطماطم يتم زراعته في شهر نوفمبر بسهل تهامة، ويزرع بالوقت ذاته في الهضبة الشرقية ” الجوف ومأرب” بمساحات كبيرة جداً، وكذا المناطق الشبه تهاميه، مبيناً أن التداخل يبدأ عند بدء انتاج الطماطم في تهامة في وقت لاتزال الجوف ومأرب تنتج بشكل كبير وأن جميعها تزرع زراعة واسعة، معتبراً ذلك من الأسباب في التضارب.
ويضيف أن ضمن أسباب عدم التوازن هو عدم وجود سياسة زراعية موجهة باعتبارها بحاجة لجهود كبيرة جداً للتمكن لمعرفة الاحتياج الفعلي إضافة إلى نسبة في التصنيع حسب إمكانات مصانع الصلصة والمصانع الأخرى، مع الحاجة الماسة إلى سياسة التسويق.
معالجات وحلول
ويرى المتوكل أن المعالجات والحلول لتوازن العرض والطلب هي بالاتجاه نحو سياسة الإنتاج المعتمدة على الزراعة الموجهة؛ والمعرفة الكاملة بالاحتياج الفعلي للاستهلاك السنوي وتقسيمها على المناخات الثلاثة، مشدداً على ضرورة العمل بتوعية المزارعين وتوجيههم لزراعة محاصيل اقتصادية أخرى غير الطماطم ، بالإضافة إلى تحديد مواعيد زراعة الطماطم في كل إقليم مناخي من الأقاليم المناخية الثلاثة الرئيسية، وبالأخص يجب تقديم الزراعة في الهضبة الشرقية لكي يزرعوا في موعد محدد لتغطية الفجوة، وهو الأمر الذي يحد من وجود التداخل مع انتاج سهل تهامة، مؤكداً أنه وبدون ذلك سيكون العرض أكبر من الطلب ويتضرر المزارع ويسبب الكساد لمحصول الطماطم.
ويرى أن من ضمن المعالجات تنظيم التسويق وفق سياسة تحمي المزارع والمنتج من الابتزاز، وكذا وجود جهات أو مؤسسات أو جمعيات لاستيعاب السوق وتخزين المنتج ومعها ثلاجات كبيرة حيث تقوم بالتنزيل للسوق بشكل منتظم.
ويشدد على ضرورة التوجه للتصنيع وتشجيع المستثمرين بإنشاء مصنع للصلصة والشطة والكاتشب وغيرها، مع ضرورة البحث عن أسواق خارجية في حال وجود تضخم، مع تنمية المحصول وتصديره إلى الخارج.
ويقترح لانضباط السعر طوال العام أن يكون هناك مؤسسات استثمارية موكلة لها هذه المهام بحيث يكون لها ثلاجات كبيرة وتنظم المحصول ويبقى السعر ثابتاً طوال العام.
أما بخصوص الدور الرقابي الذي تقوم به إدارة الإنتاج النباتي على المشاتل يقول وجيه المتوكل بأن لديهم الدور في تنظيم المشاتل مع محاولة السيطرة عليها ووضع مراقبة لها بالإضافة إلى ربطها مع مكاتب الزراعة ومدراء الإنتاج النباتي بالمحافظات إلى جانب العمل بوضع خطة لتقنين إنتاج الطماطم في المشاتل، لافتاً إلى أن هناك القليل من المشاتل التي تزرع بشكل عشوائي، وهم غالباً ما يتعرضون للخسائر.
وبما يتعلق بالتصنيع يوضح المتوكل أكثر بأن هناك توجه كبير بهذا المجال، وهناك تقييم لمصنع الصلصة في محافظة الحديدة، وهناك جهود كبيرة في تشجيع الكثير من المستثمرين في هذا المجال، وإنشاء مصانع للصلصة وغيرها، متبعاً أنه في اليمن وخلال السنوات الماضية يكون الاستيعاب قليل جداً لهذه المنتجات الصناعية؛ وذلك لوجود الطماطم طوال العام في اليمن؛ فيما أن دولاً كثيرة يكون منتج الطماطم بفترات محددة فقط ويتعمدون على منتجات الطماطم في بقية أيام السنة، حيث يمكن الاهتمام بهذه المصانع ونقوم بفتح أسواق خارجية لها.
تنظيم عملية الإنتاج
ولتسليط الضوء أكثر حول جانب التوازن بين العرض والطلب لمنتج الطماطم يقول مستشار التسويق الزراعي عبد الرؤوف الصبري أن هذا التوازن يتم عن طريق تنظيم عملية الإنتاج من المشاتل، موضحاً ألا يتم خروج الشتلات إلا بطلب من الجمعيات في المناطق الزراعية؛ وهو ما سيعمل على تنفيذ الزراعة الموجهة حسب قوله.
ويضيف الصبري أن من ضمن ما يعمل على التوازن هو تنظيم عملية الجني بين المزارعين في المنطقة الإنتاجية الواحدة، وكذا تحديد احتياج كل سوق، بالإضافة إلى إعادة التوزيع إلى الأسواق في المحافظات التي يتم الطلب عن السلعة بشكل أكبر وارتفاع السعر في تلك الأسواق.
ويتابع القول ضمن نجاح عملية التوازن بالتدخل من الوكلاء في الأسواق بإدخال الكميات الفائضة في عرضها بالمخازن المبردة لعدة أيام لاستقرار السعر والعرض في السوق، إضافة إلى تشجيع التصدير بالسوق الخارجي وتسهيل إجراءات التصدير، مردفاً أنه وفي حال قلة المعروض يتم الإيقاف المؤقت للتصدير لتغطية احتياج السوق المحلي.
أما بخصوص الخطوات المتعلقة بالتصنيع الغذائي واستيعاب الفائض من المنتج؛ يشير المستشار الصبري إلى أن هناك مجمع باجل الذي يتم التنسيق بينه والجمعيات لسحب الفائض من الإنتاج وتصنيعه مركزات، منوهاً أنه يتم العمل حالياً على دراسة إنشاء مصانع ومعامل في مناطق إنتاج أخرى سواءً على مستوى السهل التهامي أو في مأرب والجوف وصنعاء.
ويؤكد بأن العمل جارِ على تركيب مصنع مركزات لب المانجو وكذا العصائر الأخرى في مديرية باجل من قبل أحد المستثمرين.
ويوجه المستشار الصبري رسالة إلى الأسر المنتجة الاستهلاكية لاقتناء الصناعات التحويلية المنزلية واستغلال خفض السعر للمحاصيل من الخضار والفاكهة وخاصة حالياً؛ الطماطم والبرتقال أثناء ذروة الانتاج وعمل المركزات والعصائر وكذلك الشرائح المجففة والبودرة من تلك المحاصيل واستخدامها في أوقات أخرى خاصة أنه سيأتي موسم رمضان بعد شهرين ويستهلك فيه الكثير من المركزات والعصائر وغيرها.