تقاريرصحافة

الموارد المائية في تهامة

مقومات أساسية تواجه الضغوط

اليمن الزراعية – أيوب أحمد هادي

تُعدُّ المواردُ المائيةِ في منطقة تهامة من أهم الركائز الأساسية التي تؤثر بشكلٍ مباشر على التنمية الزراعية والبيئية، وتكتسبُ أهمية خاصة كونها شريان الحياة الرئيس لأكبر سهل زراعي في اليمن. ومع تصاعد التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية، والاستخدام العشوائي لهذه الموارد، يبدو أن الحاجة باتت ملحّة لفهمٍ أكبر للواقع الحالي، وتحديد السبل المُثلى للحفاظ عليها.
في هذا السياق يؤكد مدير الهيئة العامة للموارد والمنشآت المائية بمحافظة الحديدة المهندس عبد الكريم السفياني أن المياه في سهل تهامة تمثل عنصرًا حيويًا للتنمية، مشيرًا إلى أن السهل يُعد بمثابة القلب النابض للزراعة في اليمن، بمساحة زراعية تقارب 200,000 هكتار، يعتمد جزء كبير منها على المياه الجوفية والفيضانات الموسمية، كما يُعتبر هذا السهل مصدرًا رئيسيًا للإنتاج الزراعي والغذائي في البلاد.
ويضيف السفياني أن الهيئة العامة للموارد والمنشآت المائية، التي تعمل تحت إشراف وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، تسعى إلى إدارة الموارد المائية بفعالية وفقًا لقانون المياه رقم (33) لسنة 2002، لافتاً إلى أن عملها يشمل محورين رئيسيين، هما: التقييم والتخطيط لإدارة الموارد المائية، والرقابة لمنع الاستنزاف والتلوث، مع نشر التوعية المجتمعية بأهمية الحفاظ على المياه.

واقع الموارد المائية في تهامة
يمتد سهل تهامة على مساحة تزيد عن 20,000 كيلومتر مربع، ويضم أحواضًا مائية رئيسية تغذيها أكثر من 20 واديًا، مثل وديان زبيد وسهام وسردد.
ويُقدر عدد السكان في المنطقة بحوالي 2.1 مليون نسمة، يعتمدون بشكل رئيس على المياه الجوفية التي تتواجد على عمقٍ يصل إلى 300 متر، وتتغذى من الأمطار الموسمية والجريان السطحي للوديان.

لكن ما يثير القلق، وفقًا للسفياني، هو العجز المائي الكبير الذي يواجهه السهل، حيث تُقدّر التغذية السنوية للأحواض الجوفية بـ550 مليون متر مكعب فقط، بينما يصل السحب السنوي إلى 2,200 مليون متر مكعب، مما يؤدي إلى عجز سنوي يُقدّر بـ1,700 مليون متر مكعب.

التحديات التي تواجه الموارد المائية في تهامة
تفاقمت أزمة المياه في تهامة بسبب العدوان والحصار السعودي الأمريكي على بلادنا منذ مارس 2015، مما أدى إلى انتشار الحفر العشوائي للآبار، وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، ما رفع ملوحة المياه إلى مستويات غير صالحة للاستخدام.
ويرى السفياني أن هذا الوضع أدى إلى تدهور البنية التحتية، بما في ذلك شبكات الري ومحطات الرصد، فضلاً عن تفشي الأوبئة مثل الكوليرا نتيجة لاستخدام المياه الملوثة.
ومن بين التحديات الأخرى التي تواجه الموارد المائية في تهامة ما يلي:
-1الاستنزاف المفرط للمياه الجوفية بسبب الحفر العشوائي والضخ الجائر.
-2تفاوت توزيع المياه بين المناطق، مما يخلق توترات اجتماعية بين المستفيدين.
-3تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، مما يؤدي إلى ارتفاع الملوحة.
-4استخدام محاصيل زراعية ذات استهلاك مائي مرتفع وجدوى اقتصادية منخفضة.
-5تلوث المياه، وانجراف التربة، بسبب الأنشطة الزراعية والصناعية.
6 -التخطيط المائي غير الفعّال وغياب الرقابة الصارمة.
جهود الهيئة في مواجهة التحديات
وعلى الرغم من هذه التحديات، تؤكد الهيئة العامة للموارد والمنشآت المائية أنها تبذل جهودًا كبيرة لتعزيز الصمود في وجه الأزمات. وتشمل هذه الجهود ما يلي:
-مراقبة جودة المياه من خلال دراسات دورية لتقييم نوعيتها.
-إعادة تأهيل شبكات ومحطات الرصد الهيدرولوجي.
-تنظيم وتسجيل حقوق الانتفاع بالمياه، وفرض تراخيص لحفر الآبار.
-التوعية المجتمعية بأهمية ترشيد استهلاك المياه.
ويوضح أن الهيئة تعتمد آليات متطورة لمتابعة مستويات المياه الجوفية عبر مراقبة 92 بئرًا، إلى جانب جمع البيانات المناخية والهيدرولوجية من 17 محطة رصد موزعة في المنطقة.

رؤية أكاديمية لإدارة الموارد المائية

من جهته، يقول أستاذ التنمية المائية بجامعة الحديدة الدكتور أحمد الوادعي إن الأبحاث الأكاديمية تلعب دورًا محوريًا في تحسين إدارة الموارد المائية، مشيراً إلى أهمية اعتماد تقنيات حديثة مثل الأقمار الصناعية، ونظم المعلومات الجغرافية لمراقبة الموارد المائية، وتحليل البيانات المتعلقة بالمياه الجوفية وتوزيعها.
أما الدكتور غنيم ناشر، أستاذ علم المياه الجوفية، فيشدد على ضرورة وضع استراتيجيات شاملة لإدارة الموارد المائية، مؤكداً أن تحسين الوضع المائي في تهامة يتطلب إشراك المجتمعات المحلية في التخطيط، ووضع أولويات توزيع المياه بشكل عادل بين المناطق المختلفة، مع إعطاء الأولوية للمزارعين في المناطق العليا.
ويشير إلى أهمية تعزيز القوانين المتعلقة بإدارة الموارد المائية، باعتبارها ملكية عامة تتطلب مسؤولية جماعية من الدولة والمجتمع، داعياً إلى تنظيم ورش عمل وبرامج تدريب للمزارعين لتحسين كفاءة استخدام المياه.

دور المجتمع المحلي في إدارة المياه
وعلى صعيد آخر، تلعب الجمعيات المجتمعية دورًا بارزًا في الحفاظ على الموارد المائية.
وتُعد جمعية “مستخدمي المياه” بوادي زبيد أنموذجًا يُحتذى به.
ويوضح عبد الله علي مهدي، رئيس الجمعية، أن مهام الجمعية تتمثل في إدارة وتوزيع المياه بشكل عادل بين المزارعين، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المياه كأداة لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
ويشير مهدي إلى أن الجمعية تطبق أنظمة تقليدية لتوزيع المياه، مثل نظام “الجبرتي”، الذي يضمن توزيع المياه بطريقة عادلة وعملية. وتسعى الجمعية إلى بناء شراكات مع الجهات الحكومية وغير الحكومية لتعزيز جهودها في حماية الموارد المائية.
ويتضح مما سبق أن الموارد المائية في تهامة تواجه تحديات معقدة تهدد استدامتها، ما يستدعي تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المحلي والقطاع الأكاديمي.
ويبرز دور الإعلام والإرشاد كأداة أساسية لنشر الوعي وتعزيز ثقافة الإدارة المستدامة للمياه.
لذلك، فإن وضع سياسات شاملة وتحفيز التعاون بين مختلف الأطراف، إلى جانب اعتماد التقنيات الحديثة، يُعد أمرًا ضروريًا لضمان استدامة هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى